معركة الملابس الداخلية
في الوقت الذي تجهز فيه المرأة الكويتية نفسها لخوض المعركة الانتخابية للترشح للبرلمان والتصويت، وبعد أن انتهت المرأة الإماراتية من خوض مرحلة الانتخابات والوصول إلى المجلس الوطني، فإن المرأة في السعودية قد ترشحت يوم الخميس الماضي بعد معركة حامية الوطيس للترشح لمهنة "بيع الملابس الداخلية" بعد أن كانت مهنة البيع هذه موكلة طوال سنوات للرجال، وقد تمت مقاومة هذا القرار، بحجة أن بيع المرأة في هذه المحلات ذريعة للاختلاط بل إنها جرم وخطأ كبير. 28 ألف امرأة تقدمت للبيع في ملابس النساء الداخلية ومستلزمات التجميل، بعضهن جامعيات براتب لا يتجاوز 3000 ريال أي ما يعادل 800 دولار. وبينما اعتبر البعض أن هذا خطأ تم تصحيحه أي أن بيع الرجل للملابس الداخلية للمرأة كان هو الخطأ، اعتبر آخرون أنه إنجاز كبير في مسيرة عمل النساء لأنه تجاوز مقاومة شرسة. ويعود السبب لوصفه بالإنجاز لأن القرار الذي صدر منذ عام 2004 لقي مقاومة شديدة من المؤسسة الدينية وممن وصفوا بالتيار الإسلاموي الذي يتخذ الإسلام شعاراً. ورغم أن هذا الخطاب يتخذ من الحفاظ على عفاف المرأة وصونها ذريعة فإن هذا التيار هو أكثر المدافعين عن أن تبقى مهنة بيع الملابس الداخلية للنساء في يد الرجال. تناقضات الخطاب الديني لا حدود لها، فهو يصر على أحادية في التفكير ملزمة لباقي المجتمع ويبقي القرار في يد تنظيمات يتم التجاوب معها بقرارات رسمية ترعاها الدولة وتطبقها دون أن تسمح لباقي علماء المجتمع من السياسيين والقانونيين والاقتصاديين وعلماء بالاجتماع المشاركة في صياغة استراتيجيته السياسية والاجتماعية. رغم كل هذه المفارقات الكاريكاتيرية في النظر للمرأة فإن شريحة من المجتمع تتمتع بنبرة عالية وتهديدات قاسية تشجع هذه التنظميات وتتوعد المخالفين لها. ليس صحيحاً أن المجتمع يريد ذلك كما يشاع وأن النساء أنفسهن هن اللاتي ينصعن بحماس للحدود الضيقة التي يريد المجتمع أن يسجنهن فيها، لكنها التربية السياسية والاجتماعية التي تم فرضها على المجتمع في زمن الصحوة والتي نشطت في فترتين، هما ما بعد حادثة احتلال الحرم المكي عام 1979 وما بعد احتلال الكويت عام 1980، هذه التربية هي التي أفرغت المجتمع من صوابه ومنطقيته وأخضعته لمزاج صحوي ديني متشدد اختطف التعليم والمنابر الثقافية وأبقى المجتمع تحت تفكير أحادي ليس التشدد واحداً من عيوبه فقط بل ضيق الأفق ورفض التعددية وروح التسامح الإسلامي. لماذا قاومت النخب الدينية قراراً مثل قرار تأنيث البيع في محال بيع الملابس النسائية، بينما يقبل طوال التاريخ الاجتماعي أن تبيع النساء (الحناء والديرم وسروال خط البلدة) في بسطات الأسواق الشعبية؟ ولماذا اشتدت مقاومته حين قررت الحكومة أن تدخلهن مكاناً محصناً بجدران ومحروساً برجال أمن ومغلقاً بلوحة ممنوع دخول الرجال؟ إنه سؤال عاقل في وسط تفكير أقل ما يقال عنه غير منطقي لا يستطيع أحد أن يفهمه، أن يستفز هذا رجال الدين؟