الجهاز المركزي... ليته لم يرد
جاء رد الجهاز المركزي «المنشور اليوم في الصفحة نفسها» على ما ورد في هذه الزاوية بتاريخ 1 يوليو الجاري، ليقر ويثبت ما ذكره الأخ مساعد الشمري بأن الجهاز يعود في سياساته إلى المربع الأول. وبدلاً من أن يكون رد الجهاز مفنداً للخطوات والآليات التي سيتم من خلالها حل قضية البدون، أثبت الرد طريقة التعامل مع القضية كسلعة لا كبشر، لهم كرامة وحقوق إنسانية أقرتها الاتفاقيات الدولية، ونص عليها الدستور الكويتي في المادة 29 بأن «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية».أولاً: يؤكد المسؤول في الجهاز السيد صالح السعيدي التزام الجهاز بقرار مجلس الوزراء رقم 409، الذي نص على تقديم التسهيلات الـ11 لجميع البدون المسجلين في اللجنة التنفيذية السابقة، واعتماد مسمى «غير كويتي» لكنه لم يذكر، حسب الأمين العام لتجمع الكويتيين البدون مساعد الشمري، أن الكتب التي تبعث للجهات الرسمية تقوم بتحديد جنسية مقدم الطلب بعشوائية ومزاجية دون أدلة أو وثائق ثبوتية، بدلاً من الاحتكام إلى القضاء للفصل في تلك القضايا، وهو الأمر الذي كفله الدستور للجميع، إلا أن البدون يحرمون من اللجوء للقضاء بحجة أن قانون الجنسية هو قانون «سيادي»، وهو ما يتناقض مع المادة 166 في الدستور التي تنص على أن «حق التقاضي مكفول للناس».
ثانياً: جاء رد الجهاز ليؤكد وقف إصدار بطاقات المراجعة لبعض الفئات من البدون، تحت ذريعة ما يسمى بـ»القيود الأمنية» التي تستخدم كأداة لممارسة الضغط على أفراد البدون وعائلاتهم قبل التثبت من صحة هذه القيود، التي أثبت القضاء الكويتي في السابق عدم قانونيتها، إلا أن تلك القيود الأمنية الظالمة التي لم ترفع تسببت اليوم في حرمان فئات من البدون من جميع التسهيلات التي أقرها مجلس الوزراء، إلى أن ينتهي الجهاز من البحث والدراسة حسب ما ورد في الرد. ولا اعتراض على حق الجهاز «الجديد» في مزيد من البحوث والدراسات التي بدأت منذ نحو 25 سنة مع بداية تشكيل أول لجنة للنظر في قضية البدون، ولكن ما لا يقبله عقل أو منطق أن يبقى هؤلاء «المعذبون في الأرض» يئنون تحت وطأة الحرمان والفقر والمعاناة بحجة الدراسة والبحث عقوداً طويلة... ابحثوا وادرسوا كيفما شئتم، ولكن من دون أن تجردوهم من مقومات الحياة الآدمية... دعوهم يعيشوا بكرامة كبشر، وحين تنتهون من دراساتكم أعطوا كل مستحق حقه، وعاملوا غير المستحق بشكل يليق بآدميته، مثلما هو معمول به في الدول الديمقراطية، بدلاً من معاملتهم كمتهمين دون إعطائهم الحق باللجوء إلى القضاء لإثبات براءتهم من القيود الأمنية، بل إنهم يظلون مدانين حتى تثبت براءتهم، بعكس ما يقره الدستور بأن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع، ويحظر إيذاء المتهم جسمانياً أو معنوياً». ثالثاً: أما بالنسبة إلى من قاموا بتعديل أوضاعهم قبل عام 1996 ممن يحملون جوازات ثبت تزويرها، فقد أكد رد الجهاز عدم شمولهم بقرار مجلس الوزراء، وهم المسجلون سابقاً في الهيئة العامة للمعلومات المدنية، علماً بأن كثيراً منهم يحمل إحصاء 65، ولديه أقارب كويتيون، حسب ما أكد السيد مساعد الشمري، لينكرهم الجهاز اليوم، وهم الذين كانوا ضحية المكاتب التجارية التي ألصقت إعلانات بيع الجوازات على جدران اللجنة التنفيذية (أمام أعين أجهزة الأمن)، فدفعوا لها مبالغ طائلة لاقتناء جوازات لبلدان إفريقية ولاتينية لم يعرفوها من قبل ليتخلصوا من الضغط النفسي والاجتماعي على أمل أن يتحرروا من العذاب اليومي، ليكتشفوا أنها جوازات مزورة، بالرغم من ختم الأجهزة الأمنية للإقامات الرسمية عليها، ليتنصل الجهاز اليوم، ويترك الآلاف منهم يدورون حول أنفسهم في تيه وضياع، فلا هم مواطنون في تلك الدول، ولا هم يستطيعون العودة إلى وضعهم السابق كبدون.إضافة لما سبق، لا يزال هناك بعض المزايا التي وعد بها الجهاز المركزي، ولم يتم تفعيلها، وأهمها حق العمل وحق المعاقين الذين لا يتلقون أي رعاية صحية أو تعليمية تتناسب مع وضعهم الصحي لتتضاعف معاناتهم.إن قضية البدون هي صنيعة أخطاء الحكومات التي فشلت فشلاً ذريعاً في معالجة القضية الإنسانية لتتراكم الأخطاء تلو الأخرى، بدءاً من إنكار وجودهم التاريخي الذي يعود الى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي بالنسبة إلى كثير منهم، بعد أن اعترفت بهم فترة طويلة، إلى تهميشهم وعزلهم وتجريدهم من حقوقهم الإنسانية، وممارسة كل أشكال التضييق والضغط عليهم، واليوم تستنكر أنات أوجاعهم التي تعجز عن حملها الجبال، بينما يقر رد الجهاز استبعاد وحرمان فئات من البدون من المزايا التي كانت لهم بارقة أمل ونوراً يشع في آخر النفق المظلم... إلا أنه تلاشى وانطفأ.