موعد مع الحسين

نشر في 06-12-2011
آخر تحديث 06-12-2011 | 00:01
No Image Caption
 د. حسن عبدالله جوهر كان الحسين على مر الزمان والمكان حرياً بأن تستوعبه الشخصيات والشعوب بمختلف مشاربها ومعتقداتها، وتستهدي بقيمه الأمم المظلومة شرقاً وغرباً، ويتحول أنشودة للمستضعفين وأملاً للمحرومين وإماماً للمجاهدين ومرجعاً للثورة على الفساد والمفسدين، كل ينتقي قيمة من قيمه ودرساً من سيرته وقطرة من بحره.

عندما تحل ذكرى عاشوراء يتجدد موعد اللقاء مع الإمام الحسين (ع)، موعد تحيا معه قيم ومبادئ وشعارات شامخة كالجبال، وفي ذات الوقت صافية شفافة كجريان الأنهار العذبة، ولكن الكثير من هذه القيم قد يستهويها البعض بالحق أو الباطل، بقصد أو دون قصد، للمتاجرة بها في أسواق النخاسة لا سيما السياسية منها، فتباع وتشترى أو يتشدق بها أو يتم التسلق عليها، أو يحاول البعض الآخر أن يستأثرها لنفسه ويزعم احتكارها والوصاية عليها.

ولكن الموعد الحقيقي لهذه القيم مع الإمام الحسين نفسه يختلف، وهنيئاً لمن ينجح في اقتفاء هذا الأثر بصدق وإخلاص، فقد نفخ فيها سبط الرسول وسيد شباب أهل الجنة سحر الخلود، ومنحها قبلة الحياة الأبدية، وجعل منها عناوين متجددة ومتدفقة في شريان البشرية ما بقيت إلى ما شاء الله، قيم احتضنت العزة والكرامة، التضحية والفداء، الشجاعة والشهادة، وطهارة النفس ونزاهة اليد والسريرة، وشملت معاني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودونت كيفية مقارعة الظلم والجور والفساد والتمكن من رقاب العباد زوراً وبهتاناً.

ولهذا فإن موعد اللقاء مع الحسين (ع) يختلف لأن شعاراته لا تقبل التجزئة، ومن يحاول التسلق على بعضها أو التشدق بفتات منها تكسباً ومتاجرة فلن يفلح أبداً، فالإمام في نهضته التاريخية وفي يوم عاشوراء تحديداً جمع هذه الحزمة من القيم فكان أهلاً بها، فعندما يخيّر بين السلة والذلة يختار "هيهات منا الذلة" لأنه معدن العزة، وعندما يصدح "خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد صلى الله عليه وسلم آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر" فإنه المعروف المجسد الذي لا يعتريه منكر، وعندما يقول "إن كان دين محمد صلى الله عليه وسلم لا يستقيم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني" يقدم نفسه وعياله وصحبه قرابين في هذه التضحية، فهو غير قابل للتناقض والتضاد وحاشاه ذلك.

وفي كل موعد جديد مع الحسين (ع) نجد تداخل الأوراق وخلطها، وتتعقد ساحات المواجهة بالفكر أو بالمواقف أو بالأحداث والتحديات، وتستحدث فنون الانتقائية والأهواء والادعاء بالحق، ومع ذلك كان الحسين (ع) على مر الزمان والمكان حرياً بأن تستوعبه الشخصيات والشعوب بمختلف مشاربها ومعتقداتها، وتستهدي بقيمه الأمم المظلومة شرقاً وغرباً، ويتحول أنشودة للمستضعفين وأملاً للمحرومين وإماماً للمجاهدين ومرجعاً للثورة على الفساد والمفسدين، كل ينتقي قيمة من قيمه ودرساً من سيرته وقطرة من بحره، أما الذوبان الكامل في نهجه وشخصه وقيمه فهذا شأن عظيم، وهنيئاً لمن يقدر على ذلك فيجمع الشجاعة والزهد والتضحية والعز والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معاً حتى يكون حسينياً بالقول والفعل.

فسلام عليك يا أبا عبدالله فقد أعطيت الجميع من خلقك وصفاتك وقيمك حتى بعد استشهادك، وطوبى لمن يأخذ منك أكثر فأكثر.

back to top