قلت في مقالي الأحد الماضي، إن النظام الجمهوري في الدول النامية يمر بأزمة أفرغت النظام من ثوابته الأربعة: الانتخاب والمدة والمحاسبة وأنه لا توارث، وقلت إن الانتخاب بين متنافسين، قد أصبح استفتاءً على شخص واحد، وتناولت مبادرة الرئيس السابق محمد حسني مبارك في فبراير 2005 التي أعلن فيها قراره بالإصلاح السياسي من خلال تعديل الدستور، وهو التعديل الذي جرى للمادتين 76 و77 من الدستور، والذي سمح بتعدد المرشحين لانتخابات الرئاسة، وفي الوقت ذاته ألغى الإشراف القضائي على الانتخابات بوجه عام، سواء انتخابات الرئاسة أو الانتخابات العامة لمجلسي الشعب والشورى والمجالس المحلية، ليصبح تعدد المرشحين في انتخابات الرئاسة شكلاً بغير مضمون، وقد افتقد الضمانة الحقيقية لنزاهة وطهارة الانتخابات، وهي الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات، قاض لكل صندوق، أي أن الثمن الذي دفعته مصر، في الإصلاح السياسي الذي كان غايته في عام 2005 أن يكون اختيار الرئيس بالانتخاب وليس الاستفتاء، هو إلغاء الإشراف القضائي، لكي يضمن التعديل الدستوري تزوير انتخابات الرئاسة، عندما يصبح التنافس حقيقياً مع الرئيس مبارك.

Ad

إصلاح سياسي يلغي الإشراف القضائي!

وقد دعاني د. عبدالمنعم سعيد رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بجريدة الأهرام، وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم وقتئذ إلى لقاء على شاشة إحدى القنوات الفضائية O.T.V أدار فيه الحوار حول الإشراف القضائي على الانتخابات، وهو الحوار الذي ضم معي المستشار محمد دكروري، زميل سابق في مجلس الدولة ومستشار الرئيس حسني مبارك وقتئذ، وهو الذي قدم أوراق ترشيح الرئيس في أول انتخابات جرت بعد التعديل الدستوري الذي جرى الاستفتاء عليه في مايو سنة 2005، كما ضم الحوار د. محمد رجب، زعيم الأغلبية البرلمانية للحزب الوطني الحاكم في مجلس الشورى، ونائب مجلس الشعب خالد محمد أحمد، الذي كان من الرموز التي عارضت اتفاقية كامب ديفيد، وتسبب في حل مجلسي الشعب.

وهو الحوار الذي دافعت فيه عن الإشراف القضائي على الانتخابات واعتبرته الضمانة الحقيقية لنزاهة وطهارة الانتخابات، وأنه جوهر المكاسب الديمقراطية التي تحققت في دستور 1971، وأن العدول عنه هو رده عن الديمقراطية وعن هذه المكاسب! وهو ما عارضني فيه د. محمد رجب، الذي أبدى دهشته وصدمته، من احتكار القضاة للنزاهة والطهارة، وقلت رداً على ذلك، بأن القاضي وما يتحلى به من حيدة وتجرد واستقلال حتى عن رؤسائه، وإنه من التقاليد الراسخة في القضاء بعد المداولة وعند إصدار الأحكام، أن يبدأ أخذ الآراء في الحكم بأحدث القضاة، في الدائرة التي سوف تصدر الحكم وأن الأحكام تصدر بأغلبية الآراء، عدا الأحكام التي تصدر بعقوبة الإعدام، فيشترط إجماع الرأي عليها، فضلاً عن ضمانة عدم قابلية القضاة للعزل، وهي خصائص تميز رجال القضاء عن غيرهم من الموظفين العامين من رجال الأمن وغيرهم، الذين يتبعون رؤسائهم، في تدرج إداري هرمي مركزي، تتحكم به التبعية الإدارية في ثقافة الموظف العام، حتى عندما يشرف على الانتخابات، وهو ما كان سانداً قبل العمل بدستور 1971 والأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، بإبطال انتخابات مجلس الشعب التي جرت دون إشراف قضائي كامل على كل صندوق، التزاماً بنص الدستور.

افتقاد الصحافة القومية للأمانة المهنية

وقد أرسلت مقالاً إلى صحيفة الأهرام انتقدت فيه التعديل الدستوري بإلغاء الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات ووصفته في عنوان المقال بالردة الدستورية، إلا أن صحيفة الأهرام اعتذرت عن نشره، فنشرته صحيفة الوفد في عددها الصادر في 22 مايو سنة 2005 تحت عنوان "تعديل دستوري أم رده دستورية"، وكانت صحيفة الأهرام قد اجتزأت من المقال نشرته في اليوم السابق 21 مايو تحت عنوان "التعديل الدستوري، ملاحظات على الشكل"، وهو الجزء من المقال الذي انتقدت فيه نص التعديل الدستوري، الذي احتوى على كم من التفاصيل، التي لا ترد عادة في نصوص الدساتير، وقلت إنه نص يصلح أن يضاف إلى موسوعة غينس، كأطول نص دستوري في دساتير العالم.

وهو ما يكشف عن حال الصحافة القومية، قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير، والتي كانت مسخره لتسويق سياسات وانتهاكات النظام السابق للدستور وللقانون وللعدالة وفساده وفساد رموزه، وأنها لم تكن أمينة على عرض الحقائق على الشعب، وأن خطوطاً حمراء كثيرة كانت تحجبها عن عرض الحقائق على الرأي العام، حتى ما كان من هذه الحقائق علمياً وموضوعياً ومجرداً.

وكان للدكتور عبدالمنعم سعيد الذي أدار هذا الحوار، رأي آخر لا يزال متمسكاً به حتى الآن، وإن كنت أعترف له بأنه أدار الحوار بنزاهة وحيدة، فقد كتب في صحيفة الأهرام في عددها الصادر في 25/7/2011، مقالاً طالب فيه بالفصل بين السلطات في الدستور الجديد، معتبراً أن الإشراف على الانتخابات ليس من وظيفة السلطة القضائية، بل يعتبر تدخلاً في أعمال السلطتين التنفيذية والتشريعية.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.