ليس هنالك ثمة شك، كما يعلمنا التاريخ البشري بشكل عام وتاريخنا الوطني بشكل خاص، أن الغلبة في النهاية ستكون في مصلحة دعاة التجديد الديمقراطي والإصلاح السياسي، لكن بعض الأخطاء السياسية والتنظيمية و"التكتيكية" التي من السهولة بمكان تجنبها ستساهم في إبطاء حركة الإصلاح والتغيير.

Ad

في مقال سابق ذكرنا أن المطالبات الشعبية الداعية إلى الإصلاح السياسي والتجديد الديمقراطي في بلدنا لم تتوقف منذ بدايات القرن المنصرم، وإن تباطأت حركتها في بعض الأحيان أو اختلفت مضامينها وأشكالها في أحايين أخرى.

لهذا فإن الحراك الشعبي الحالي المطالب بإصلاحات سياسية وديمقراطية هو امتداد طبيعي لتوق الكويتيين الدائم إلى تجديد نظامهم الديمقراطي وتطويره؛ رغم بعض النواقص والهفوات التي قد تقع فيها قيادة أو "قيادات" التحرك الشعبي، وهو شيء طبيعي، خصوصا إذا ما عرفنا أن العمل السياسي لدينا غير منظم، وليس لدينا قادة محترفون للعمل العام يعرفون لماذا وكيف ومتى وأين يجب أن يوجه هذا النشاط؟ فتتداخل، أحيانا كثيرة، الأجندات الشخصية مع الاعتبارات العامة مما قد يبطئ من سرعة تحقيق الإصلاح السياسي والديمقراطي الملح.

وفي هذا السياق فإن من ضمن عيوب التحرك الشعبي الحالي هيمنة النشاط البرلماني وتحركات الأعضاء، ومواقفهم تجاه الحراك الشعبي، بل قيادته في أحايين كثيرة، وهذا ما سيؤثر سلبا في فعاليته ويفقده جزءا مهما من ثقة الناس ودعمهم؛ لأنه من المفترض أن يكون النشاط البرلماني جزءا مكملا للتحرك الشعبي، وليس هو النشاط الشعبي الأوحد، خصوصا أن الخلفية السياسية للأعضاء، باستثناء عدد قليل جدا لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، لا علاقة لها بالعمل الجماهيري، وقد لا تؤمن به أصلا لأنهم وصلوا إلى المجلس نتيجة لجهودهم وعلاقاتهم الشخصية، أو لارتباطاتهم القبلية والطائفية والفئوية، وليس لاحترافهم السياسي وامتدادهم الجماهيري المبني على برامجهم السياسية.

كما يندرج تحت نواقص التحرك الشعبي الحالي عدم بلورة توافق وطني عام حتى الآن بين الأطراف المختلفة الداعية إلى الإصلاح والتغيير على هدف أو أهداف عملية الإصلاح السياسي أو التغيير الديمقراطي، والأشكال أو الأساليب المناسبة لتحقيق هذه الأهداف، وهو الأمر الذي سيشتت الجهود الوطنية المخلصة، وقد يساهم في بروز اختلافات "تكتيكية" بين هذه الأطراف السياسية والشبابية، مما سيفسح المجال لبروز "العنتريات" الفردية والتصرفات الانتهازية للباحثين عن البطولات الوهمية والأمجاد الشخصية أو أصحاب "الأجندات" الخاصة التي لا علاقة لها البتة بالمصلحة الوطنية العامة.

قصارى القول أنه ليس هنالك ثمة شك، كما يعلمنا التاريخ البشري بشكل عام وتاريخنا الوطني بشكل خاص، أن الغلبة في النهاية ستكون في مصلحة دعاة التجديد الديمقراطي والإصلاح السياسي، لكن بعض الأخطاء السياسية والتنظيمية و"التكتيكية" التي من السهولة بمكان تجنبها مثل عدم التوافق الوطني بين قوى الإصلاح والتغيير كافة على مطالب محددة أو "أجندة" واضحة ومفصلة للإصلاح السياسي والتجديد الديمقراطي الملتزم بالدستور تتعدى المطالبة بتغيير الأشخاص، وتشرح بالتفصيل النهج الجديد المراد تحقيقه، ولا تختزل العمل العام بالنشاط البرلماني وحده، وستساهم، أي الأخطاء، في إبطاء حركة الإصلاح والتغيير وهو الأمر الذي يتعين على القوى السياسية والتجمعات الشبابية العمل على تلافيها في هذه المرحلة الوطنية الحرجة.