إذا كان صحيحاً أن دمشق بادرت إلى الاستعانة ببقايا مجموعات حزب العمال الكردستاني التركي، التي لا تزال موجودة في جبل قنديل القريب من مدينة السليمانية في كردستان العراق، على غرار ما كان عليه الوضع قبل طرد زعيم هذا الحزب عبد الله أوجلان عام 1982، فإن نظام الرئيس بشار الأسد، إضافة إلى كثير من أخطائه، لا يرتكب خطأ فادحاً فحسب، بل قاتل أيضاً، لاسيما في هذا الوقت بالذات، وفي هذه المرحلة المعقدة والصعبة.

Ad

ربما لم يشكل تسيير مظاهرة من الرفاق البعثيين وبعض أفراد الأمن إلى السفارة التركية في دمشق، كي يهتفوا أمامها بحياة لواء الاسكندرون الذي تم شطب قضيته من «أجندة» نظام الرئيس حافظ الأسد والورثة الذين جاؤوا بعده، استفزازاً كافياً لزعيم تركيا الحديثة رجب طيب أردوغان ليجدد التهديدات التي أطلقها الذين سبقوه وأدت إلى طرد عبدالله أوجلان من دمشق شرَّ طردة وإغلاق مكاتبه وإنهاء وجود قواعد حزبه على الأراضي السورية ودفعهم إلى الرحيل إلى تلك المناطق الوعرة في المثلث الحدودي العراقي-التركي-الإيراني.

ستكون لعبة مكلفة جداً إذا ثبت فعلاً أن القيادة السورية، للضغط على رجب طيب أردوغان وأركان حزب العدالة والتنمية في تركيا قد بادرت إلى فتح خيوط اتصالات مع بقايا مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي الذين كانوا قد انتقلوا إلى جبل قنديل على الحدود التركية-العراقية-الإيرانية، ويقدر عددهم بنحو 700 مقاتل بعد طرد عبد الله أوجلان، وأنها دعت قائد هؤلاء الميداني واسمه محمد صالح مسلم إلى دمشق، وتفاهمت معه على عودة مقاتليه إلى قواعدهم السابقة والبدء بعمليات عسكرية على غرار ما كان عليه الوضع قبل عام 1998.

لن تسكت أنقرة، ولا للحظة واحدة على مثل هذا «الاستفزاز» الذي إذا كان ما يقال صحيحاً فإن هدفه هو إفهام أردوغان ومجموعته أن سورية في عهد أيَّ نظام بديل لهذا النظام، ستكون جاراً منفياً، وأن تركيا ستدفع ثمناً غالياً لدخول جارتها الجنوبية وضعاً فوضوياً، ولو لمرحلة انتقالية. وإذا صحَّت هذه المعلومات فسيكون بمنزلة القشة التي قصمت ظهر البعير، وسيؤدي إلى مواجهة عسكرية ستفضي - إن هي تمت بالفعل - إلى تغيير جذري في الخريطة السياسية السورية، وإلى تغييرات أخرى في خريطة منطقة الشرق كلها.

لا يمكن أن يسكت رجب طيب أردوغان على استفزاز كهذا، حتى إن أدرك أن دمشق تريده مجرد مناورة في مبارزة تبادل عضَّ الأصابع بينها وبين تركيا، لأن هذه المسألة لا تحتمل المناورات ولا الألاعيب، وأخطر ما فيها أنها ستضع المبررات الكافية في أيدي جنرالات الجيش التركي كي يلجأوا إلى مزيد من استهداف هذه المجموعة الحاكمة التي تواصل العمل الدؤوب لاستبدال توجهات تركيا الأتاتوركية الداخلية والخارجية بتوجهات مغايرة جديدة.