3 أفلام جديدة... استلهام الأدب بروح شابة

نشر في 06-06-2011
آخر تحديث 06-06-2011 | 00:01
No Image Caption
 محمد بدر الدين لم يبتعد شباب السينما المصرية الواعدون تماماً عن الأدب، فها هي المخرجة «إيمان النجار» المولودة في عام 1976 تعود إلى قصة (صورة) لأديب العربية الأكبر نجيب محفوظ، وتقدّمها في فيلمها الروائي القصير بعنوان «خيال صورة». وها هي المخرجة جنيفر بيترسون المولودة في عام 1975 تعود إلى قصة للأديبة الكبيرة سلوى بكر، وتقدّمها في فيلم روائي قصير بعنوان «صوتها الجميل».

كذلك، استلهم المخرج شريف وهبة المولود في عام 1977 قصة «الرسالة» للأديب البولندي مارك هواسكو، في فيلم روائي قصير اختار له عنوان «عزيز».

نبدأ بالأخير، وهو من بطولة الممثل المخضرم أحمد بدير والممثلة المعروفة عايدة رياض، والممثلين الموهوبين محمد يونس ومي القاضي وبهجت عدلي، كتب له السيناريو مخرج الفيلم، وصوّره وائل يوسف، والمونتاج لرفيق جورج.

أخرج وهبة سابقاً «دايرة الأحلام» و{ناحية نور»، من الأفلام القصيرة، وعمل كمساعد مخرج لحسين كمال وخيري بشارة وسمير سيف وإيهاب لمعي وغيرهم. في فيلمه الجديد، نرى بطله «عزيز» (أحمد بدير) يسكن في حي شعبي في القاهرة، وعايدة رياض من ضمن جيرانه، وهما وغيرهما يعانون أنواعاً من الوحدة والإحساس، وفي حاجة إلى أشياء أو بشر، يظلّون في انتظارهم... (لكن أحداً لا يأتي أبداً!).

يمثّل البوسطجي الذي يأتي إلى المكان في كل صباح أهمية وقيمة خاصة للسكان، لكنه نادراً ما يأتي بما ينتظرون، من بين هؤلاء «عزيز» الذي يظل ينتظر خطاباً على مدى السنوات، التي يمر بها العمر و{يتسرب»، ربما من أحد أصدقائه القدامى، أو ابنه الذي لم يره منذ أعوام، وربما من «الكفيل» الذي كان يعمل لديه في الكويت.

بل تصل به الحال إلى أن يأمل في وصول خطاب حتى من مصلحة الضرائب (مثل جارته ـ عايدة رياض!)، لكن الانتظار يطول.

ويشعر الذين من حوله بألمه وخواطره الحزينة. وفي المشهد الأخير يقف بعض هؤلاء، من الشباب، أمام باب شقته الموارب ولا يجدونه، فأين ذهب...؟

في «عزيز» لمحات أيضاً من عمل أدبي ذائع الصيت لغابرييل غارسيا ماركيز «لا أحد يراسل الكولونيل»، لكنّ الفيلم يأتي في سياق حالة مصرية صرف، قدّمها كلّ من الإخراج والسيناريو وكاميرا المصور وقطعات المونتاج بسلاسة وتدفّق درامي، وبصيغة حميمة، مع أداء لبدير تراوح بين الإحساس الجيد بروح الشخصية ومكوّناتها، وبمدى الانفعال الذي كان يتحكّم فيه إلا في مرات قليلة.

بالنسبة إلى فيلم «خيال صورة»، فتجسّد فيه المخرجة وكاتبة السيناريو إيمان النجار كيف أن خبر مقتل فتاة، يعيد ذكراها فجأة، وما كانت تمثّله أو حدث معها، لدى عدد ممن تركت بصمة في حياتهم!

ويضعنا مدير التصوير المعروف سمير بهزان عبر لعبة النور والظل في جو لا يخلو من تشويق وأسئلة استفهام أكثر من إجابات، وروح اتهام يشمل الجميع!

إنهم، ما إن يروا صورة الفتاة في الجريدة، ضحية قتيلة، حتى يتذكروا، ثم يحاولوا أن يتهموها في شيء ما، متهربين من أنهم هم موضع الاتهام الحقيقي! إنها تيمة من أدب محفوظ بامتياز، قدّمتها المخرجة بروح جديدة متألّقة، في عمل سينمائي مشوّق.

نصل إلى فيلم «صوتها جميل»، وفيه ذروة جديدة ضمن الأفلام الروائية القصيرة المعاصرة، ونموذج بشري مدهش متمثل في الزوجة الشابة «عائشة» (أدتها ابتهال الصريطي بتمكّن وجمال وإحساس بالغ الرهافة).

إنها امرأة تطحنها الحياة اليومية، بين احتياجات المنزل التي لا تنتهي وطلبات الزوج والأولاد الذين لا يشعرون بها، ونداءات الجميع وحتى ضجة الجيران. لكن في داخل عائشة عذوبة وجمال بلا حدود، ورغبة في الحياة والاستمتاع بها، يتمثل أول ما يتمثل في حبّها الشديد لـ «الدندنة» بأغان جميلة أصيلة من غنائنا العربي الذي يظل نابضاً متجدداً عبر أصوات وألحان عمالقة في هذا الغناء وتراثه المدهش.

لكن أحداً لا يتركها، حتى وهي تقوم بأشغال وواجبات، مترنّمة بهذه الأغنية أو تلك، وهي مصرّة سائرة في طريقها: تعمل وتغني. إلى أن يشعروا بها في النهاية، خصوصاً الزوج، الذي يكتشف فجأة ما لم يكن يكتشفه سابقاً فيها: جمال إحساس وجمال صوت وجمال ملامح بلا حدود.

يندهش الزوج، كأنه يراها للمرة الولى!

رسالة الفيلم البليغة اللماحة: جمالنا ينبع من داخلنا، من نفوسنا، إذا اكتشفناه واعتددنا به، رآه الجميع من حولنا، وعمّ العالم الذي نعيش فيه! وبادلنا الآخرون الإحساس بالجمال والعذوبة والرقي والرقة، والإنسانية الحقة.

back to top