التقيت مجموعة من الطلبة ومن جنسيات عربية مختلفة في بعض المدن البريطانية، وتبادلت الحديث معهم عن أحداث الربيع العربي وتداعياته على الحياة السياسية وتأثيره في الأوضاع المعيشية للمواطنين، فكانت الإجابات متنوعة بين التفاؤل والتشاؤم المصحوب بالخوف.

Ad

الخوف من المستقبل يا ترى صنيعة مَن؟

للإجابة عن هذا السؤال بالتفصيل قد نحتاج إلى مجلدات، لكن كان هناك عامل مشترك واحد اجتمع عليه الحضور، وهو أن الحكومات العربية نجحت في خلق إمبراطورية الخوف، والخوف من كل شيء، ونجحت في زرع العداوة والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد، كما رأوا أن كل التغيير سيجلب الدمار وعاقبته أشد ألف مرة من الحاضر والواقع يؤكد نفسه، ودليلهم كان ما آلت إليه الأمور في ليبيا بإعلان إقليم برقة الانفصال، وها هي مصر متجهة إلى الفوضى شأنها شأن العراق، كما أن حال سورية واليمن ليس بأفضل، فبوادر الحرب الأهلية تضرب دفوفها والحال أيضاً بالبحرين الغالية لم يتغير.

هذه الحالة لم تكن لتوجد لو أن الأنظمة والحكومات تبنت الإصلاح منهجاً لها ولم تعمل على سياسة الإقصاء، ولو أشركت الحكومات الشعوب معها كمكون أساسي من مكونات المجتمع وعملت على سياسة الوطن للجميع، وأن الفرق بين المواطن والآخر هو مقدار العمل والإخلاص، لكانت حال تلك الحكومات أفضل ألف مرة مما هي عليه الآن وهي تستجدي العطف والصفح.

وبوجه عام لف الحديث ودار على كل العواصم العربية، ليرجع إلى الكويت عاصمة الحريات وحرية الرأي، فكان الحديث عن حالة الشد والجذب والصراع التي تعيشها الكويت الحبيبة، بحيث ظل الحضور يسأل ويجيب عن الديمقراطية الكويتية، وأنها المثال الأفضل على مستوى الوطن العربي، وأن الحراك الدائر يجري في أجواء سلمية استطاعت الكويت تجاوزها بشكل إيجابي.

هذا النوع من الحراك هو ما يفتقده المواطن العربي، وهو ما نريد استمراره كوسيلة لمكافحة الفساد ووسيلة للإصلاح والتنمية، فأجواء الحرية التي نعيشها علينا استغلالها بالصورة الصحيحة وعدم تكييفها أو تجييرها لمصالح تضرب وحدتنا الوطنية، ولتكن أحلامنا من صنع أيدينا وألا تكون أحلاما يصنعها الآخرون، وليكن النموذج الكويتي بالممارسة الديمقراطية والشعبية هو الخط العربي نحو الإصلاح.

مجلس الأمة هو الآخر كان محط أنظار شباب العرب كنموذج في قدرته على نقل هموم المواطن، على الرغم من اختلاف مشاربه، كما كان اللافت هو قبول سمو الرئيس الحالي الشيخ جابر المبارك صعود المنصة، سائراً على طريق سمو الرئيس السابق الشيخ ناصر المحمد، إلا أن هذه المرة هناك إضافة غير مسبوقة على مستوى المساءلة السياسية في تاريخ الوطن العربي، وهي استعداد سموه لمناقشة هذا الاستجواب في جلسة علنية تؤكد مرونة حكومة دولة الكويت واستجابتها لمتطلبات الديمقراطية كممارسة فعلية وليس شعاراً يرفع.

نعم هناك بعض المنغصات والتحديات التي على المجتمع الكويتي تجاوزها، وفي مقدمتها وأد الطائفية ودفنها، لكي تكون الكويت النموذج الذي يمكن للشعوب والحكومات العربية تبنيه، فالهدف ليس تغيير الأنظمة بل إصلاحها لما فيه خير لرفعة قيمة الإنسان العربي... ودمتم سالمين.