منظور آخر: هل تقوم الأمم المتحدة بدورها الفعلي؟!
هناك أفلام تشاهدها دون أن تترك أي تأثير بل تنساها فور انتهائها، في حين هناك أفلام تظل عالقة بذاكرتك لا تنساها، وتجعلك تفكر في ما يحدث في العالم لاسيما تلك التي تحكي قصة حقيقية.منذ فترة بسيطة شاهدت فيلم "The Whistleblower"، وهو يحكي قصه كاثرين بولكوفياس في أواخر التسعينيات، وهي شرطية شغلت منصب أحد عناصر حفظ السلام بالبوسنة، بعد الحرب حيث تكتشف انخراط أفراد القوة الأممية في شبكة دعارة على مستوى كبير.
ولكن إنسانيتها جعلتها تقوم بعملية بحث موسعة، لتجد أن الفتيات اللاتي يتم الاتجار بأجسادهن وكأنهن سلعة أو لعبة، يتعرضن للتعذيب الجسدي الكبير من قبل من اشتراهن، إذ انتشر خلال تلك الحقبة وحتى يومنا هذا قيام أحد أفراد العائلة، من أخ أو أب أو عم أو خال، ببيع النساء الشابات من خلال إقناعهن بتوفير فرصة عمل لهن في المدينة، ليكنّ عارضات أو ممثلات أو للعمل في محل مرموق، وبعد أن تسافر واحدتهن إلى المدينة تكتشف أنه قد تم بيعها لشخص يتاجر بجسدها ويبيعها بشكل وقتي لأفراد من عناصر حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في البوسنة، ويقومون بإيذاء هؤلاء الشابات جسدياً وإصابتهن بحروق بليغة وأمراض كثيرة بسبب تعرضهن لعبث جنسي مريض من قبل ممثلي السلام!وأبت بولكوفياس أن تسكت عن هذا الوضع، واجتمعت مع الملاجئ التي توفر العناية الصحية للفتيات وحاولت إقناعهن بالتحدث عما يتعرضن له، ولكن في كل مرة تقنع فيها أي فتاة إما أن تتعرض للتعذيب الشديد وإما أن تقتل على مرأى من الفتيات الأخريات!وخاطبت بولكوفياس ممثلي الأمم المتحدة وأرسلت لهم التقارير، لكن كل ما قامت به لم يلق أي ترحيب، لأن تلك الممارسات المشينة التي قام بها بعض أفراد مؤسسة مهمة كالأمم المتحدة هو كفيل بأن يجعلها تخسر الكثير من العائدات المادية بالإضافة إلى مصداقيتها!ولكن بمساعدة من القلة التي آمنت بها، أخذت كل المستندات التي تعكس الأرقام وصور المتورطين من أفراد الأمم المتحدة في الدعارة وصور الضحايا بسبب هذه التجارة. وهربت بهذه الوثائق لتُعرِّف الناس بها من خلال قناة "BBC"، وهي قناة إخبارية مهمة، وبعدها توالت في الظهور إعلامياً لنشر الوعي فقط ليتحرك العالم لإيقاف هذه المهزلة في حق هؤلاء النساء. لكن في النهاية تم فصل بولكوفياس من عملها، وهي بدون عمل حتى اليوم، سخرت نفسها للعمل الإنساني وكتبت قصتها في كتاب رأى النور عام 2011، ليصبح واحداً من أهم الأفلام التي شاهدتها في حياتي هذا العام.وليتركني في قلق، إن كانت الأمم المتحدة لم تستطع أن تنصف المظلوم بل تكتمت على ما تم آنذاك، فإلى من نلجأ في أوقات الحروب والظلم؟ويجعلني أتساءل أيضاً: هل تقوم الأمم المتحدة بدورها الإنساني كما يجب؟ لأني أُجِلّ هذه المؤسسة كثيراً، لكن لا أنكر أن قلقاً بدأ يتسرب إلي!قفلة:تشير كل الإحصاءات والدراسات والتقارير إلى أن الاتجار بالبشر والجسد والعبودية في ارتفاع مطرد، حيث قدرت الحكومة الأميركية في عام 2009 بأنه تمت المتاجرة بحوالي 800 ألف شخص عبر الحدود الدولية في العالم، وكشف محللو هذه المعلومات أن 80% من هؤلاء الضحايا كنّ من النساء، وأن 70% منهن تمت المتاجرة بهن لأغراض جنسية.