سألني أحد الإخوة بعدما قرأ مقالي السابق، الذي تناولت فيه جانبا من المشكلة الطائفية القائمة عندنا في الكويت، بأنه هل من حل لهذه المشكلة؟ فكانت إجابتي بأنه لا يوجد، بطبيعة الحال، حل سحري سريع، فالأمر ليس عصا يلوح بها في الهواء لتستقر الأمور، ولا زرا نضغطه فتنصلح الحال. لكن المشكلة، والحال ما ذكرت، مهما كانت تبدو شائكة ومتجذرة وصعبة، وهي كذلك فعلا في قناعتي، فليست عصية على العلاج الفعال كذلك.

Ad

أولى الخطوات لعلاجها، بل لعلاج كل مشكلة، يتمثل بالإدراك العميق لوجودها وحجمها وأبعادها ومدى خطورتها، لأن غياب هذا هو مشكلة خطيرة بحد ذاته، وما أراه وللأسف، من كل الأطراف المسؤولة عندنا، والتي يفترض أن تلعب في العلاج دورا أساسيا، سواء على جانبها التشريعي أو التنفيذي، أو غيرهما، أن هناك تهوينا كبيرا لحساسية الأمر وخطورته، وأحيانا غيابا كاملا لإدراك وجود ما يستلزم المواجهة والحل، والتعويل على أنه ليس سوى عثرة بسيطة عارضة، سرعان ما يتم تجاوزها تلقائيا في كل مرة!

نحن اليوم بحاجة ماسة لأن نقر جميعا، وبكل وضوح وصراحة، بوجود مشكلة حقيقية كبيرة تستلزم علاجا، وأن هذه المشكلة صارت تلقي بظلالها القاتمة، على كثير، إن لم يكن كل مناحي حياة مجتمعنا، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وإعلاميا وتنمويا، وغير ذلك.

ثانية الخطوات هي أن تتم مراجعة التشريعات والقوانين والنظم الموجودة حاليا، والتي تلمس هذه المشكلة، وسد ثغراتها وتعزيزها، وإن تطلب الأمر، استحداث تشريعات وقوانين جديدة، ومن بعدها تأتي الخطوة المهمة الثالثة، والتي يجب أن تتمثل بتطبيق حقيقي حازم وحاسم لهذه القوانين على كل من يخالفها، لأن تشريعا أو قانونا بلا تطبيق، لن يساوي حينها حتى قيمة الحبر الذي كتب به والورق الذي طبع عليه!

حينما تدور هذه العجلة المحكمة، ويتم تطبيق القانون فعلا على كل المتجاوزين والمخالفين، ممن يهددون الوحدة الوطنية، بأفعال أو تصرفات أو أقوال طائفية أو فئوية، بلا استثناء ودون محاباة، فسيعرف الناس مع مرور الوقت أن الأمر جاد حقا، ولا مجال للعبث فيه، وسينصاعون جميعا طوعا أو كرها.

أتخيل، ولا شيء مستحيل، أن نصل إلى مرحلة إنشاء هيئة رسمية مستقلة، تعنى بالمحافظة على الوحدة الوطنية، فيكون لها دور رقابي وتوعوي وإرشادي، ويمكن للفرد أن يتواصل معها، وأن يوصل إليها شكاواه عن كل التجاوزات الطائفية والفئوية التي قد يراها هنا أو هناك، سواء في مؤسسات العمل الحكومي أو الخاص، أو في الحياة العامة أو في الإعلام أو غيرها، لتكون هذه الهيئة بمنزلة صمام أمان لوحدتنا الوطنية.

كلي أمل أن أرى هذه الأفكار تتحقق على أرض الواقع، سواء بشكلها هذا، أو أي شكل مناسب آخر، وهي أفكار، وأقول ذلك للتاريخ، سبق لي أن أوصلتها إلى سمو رئيس الوزراء نفسه، منذ مدة ليست بالبعيدة، عندما سنحت لي الفرصة أن أكون من ضمن وفد التقى سموه في قصر السيف، وهآنذا أكررها هنا، وأشدد على أن وحدتنا الوطنية هي أهم وأغلى ما نملك، فإن انهارت، لا سمح الله، فلا مجال لصلاح أي شيء آخر.