ذكرنا في مقال الأسبوع الماضي، أربعة تحديات تواجه الثورة العربية الآن، وعلى هذه الثورة أن تواجه هذه التحديات، وتتعامل معها، وهي:

Ad

1- التفريق العلمي والسياسي الواضح بين الليبرالية، والرأسمالية، والإمبريالية.

2- عدم اعتبار الليبرالية مفهوماً جديداً في العالم العربي، ولكن الليبرالية- كما يقول الباحث المصري أسامة الغزالي حرب- تعود إلى ما يقرب من مئتي عام، مع بداية النهضة الحديثة في المنطقة.

3- التأكيد أن مفهوم الليبرالية العربية، يختلف عنه في أوروبا، وأميركا الشمالية، وجارتها الجنوبية، وآسيا، وأي ليبرالية أخرى في العالم.

4- التأكيد أن مفهوم الليبرالية العربية، يختلف من منطقة إلى أخرى في العالم العربي، خصوصاً بين الليبرالية المصرية، والليبرالية الخليجية الناشئة مثلاً. وبما أن مساحة المقال الأسبوعي محدودة، فإننا لم نكمل في المقال السابق، بقية التحديات المهمة التي تواجه الثورة العربية بخصوص إساءة مفهوم الليبرالية العربية من قبل التيار الديني عامة. وهذه الإساءة كانت السبب الأعمق للعديد من المشكلات في العالم العربي، كما يقول رونالد ميناردوس، المدير الإقليمي لـ"مؤسسة فريدرش ناومان من أجل الحرية" الألمانية. ويقول ميناردوس، إن الليبرالية العربية الآن تواجه تحديين خطيرين: الأول، يتمثل بالبيئة السياسية الخارجية. والثاني، يتمثل بالإطار الإيديولوجي الناشئ عن ضعف الليبراليين العرب على المستوى الإيديولوجي.

وهنا نذكر بقية التحديات، التي تواجه الثورة العربية، والتي تعتبر أكثر أهمية من أي تحديات أخرى ستواجه الثورة العربية، ومن هذه التحديات ما يتركز على تصحيح مفهوم الليبرالية العربية، وأن الليبرالية العربية لا تخرج كثيراً عن روح الإسلام. وأن بعض فقهاء الإسلام وليس "روح الإسلام"، قد أساؤوا تعريف الليبرالية العربية لأهداف سياسية معينة، وقدموا الليبرالية العربية للشارع العربي على أنها الشر المستطير، والطريق الوعر الخطير.

وكما قال رونالد ميناردوس، إن الليبرالية العربية يُنظر إليها خطأً على أنها غربية، وغير مُتسقة مع المبادئ والقيم العربية والإسلامية. وينصح ميناردوس الليبراليين العرب، لكي يعينوا التيار الديني على المصالحة، بأن يتركوا النزعة الدفاعية الإيديولوجية التي اضطرهم إليها أعداؤهم. وعليهم البدء بأنفسهم أولاً عن طريق إقناع الناس، بأن أفكارهم لا تتنافى مع المبادئ والمعتقدات الدينية، بل إنها تدعم حرية الدين. وإن تعزيز حرية الفرد، هو محور الطموحات الليبرالية بأسرها.

وهنا بعض التحديات، التي تواجه الثورة العربية الآن:

1- أصبح العرب اليوم في حاجة ماسة إلى الحريات بأشكالها كافة، شرط التحلي بالمسؤولية، ولكن هذه الحرية لن تتوافر إلا في المجتمع المدني، الذي يساوي بين الجميع في الواجبات والمسؤوليات، فعلينا إقامة المجتمع المدني.

2- توضيح العلاقة بين الليبرالية والدين والأخلاق، ويقول الباحث الفلسطيني حازم القواسمي إن "الليبرالية لا تعني الابتعاد عن مكارم الأخلاق والانحلال الاجتماعي. والحرية التي تنادي بها الليبرالية تضمن كرامة الإنسان ورفعته. وعلى الليبرالي التخلي كليةً عن فرضٍ ما بالقوة وبالإكراه التي تقوم بها الأنظمة الشمولية الدينية، والمدنية المتطرفة".

3- إن الاستقرار الاقتصادي من أهم مقومات عمل الليبرالية وانتشارها. فلا ليبرالية في المجتمع الجائع والفقير، كما لا حرية ولا ديمقراطية في مثل هذه المجتمعات. وإن من يأتي بذكر الهند مثالاً معاكساً، فهو يخطئ، فالنمو الاقتصادي في الهند أكثر من 5% سنوياً، ولا تُعدُّ الهند بهذا المقياس دولة فقيرة، لكي تتمكن من تثبيت أقدام الليبرالية والديمقراطية في أركان مجتمعها. ومن هنا نقول، إنه على الرغم من كل العوامل التاريخية والسياسية والاجتماعية الضاغطة، فإن دول الخليج العربي بوضعها المالي والاقتصادي المتميز هي أقرب لليبرالية والديمقراطية من أي بلد عربي آخر مستقبلاً.

4- إن طريق الليبرالية- بما هو مرتبط بالحلول السياسية- صعب وشاق. وهو يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقضية الفلسطينية التي تتعقد يوماً بعد يوم، وتبتعد عن السلام العربي- الإسرائيلي، الذي أصبح اليوم أعسر، وأبعد، وأقل حقيقةً وواقعاً من السراب. وبقاء الصراع العربي– الإسرائيلي على ما هو عليه الآن، من شأنه أن يشدَّ من عضد التيار الديني الذي يغذيه، استمرار هذا الصراع، ويؤكد وجوده وضرورته. واختلاف وجهة النظر الليبرالية في هذا الصراع، باعتباره صراعاً سياسياً محضاً مع وجهة نظر التيار الديني، الذي يعتبر هذا الصراع صراعاً دينياً محضاً بين المسلمين (التيار الديني العربي) وبين الكفار (الدولة الإسرائيلية) ليس في مصلحة الحركة الليبرالية في العالم العربي. فالشارع العربي المتدين تديناً شعبياً، وفطرياً، يميل دائماً ومنذ أكثر من ستين عاماً وحتى الآن إلى وجهة النظر الدينية. ومن هنا ينشط الإرهاب الديني من وقت لآخر في العالم العربي وفي فلسطين، وفي مناطق مختلفة من العالم. وتُدان الحركة الليبرالية- بالمقابل- الداعية إلى الحل السياسي السلمي وسلوك طريق المفاوضات السلمية إدانة قاسية، من قِبل الشارع العربي المعبأ بالشعارات الدينية الحماسية والعاطفية، التي تدفع إلى الحزن والبكاء، أكثر مما تدفع إلى التفكير والعمل.

5- حاجة الليبرالية العربية إلى قيادات واعية. فالنخبة العربية غير كافية وغير مؤهلة وحدها لقيادة الشارع العربي نحو الليبرالية في العالم العربي. ولليبراليين من التيار الديني وسياسته تجاه الجماهير خير دليل على الطريق الصحيح لاختراق الشارع العربي، فقد اهتم التيار الديني والأصولي (متمثلاً بـ"الإخوان المسلمين") والسلفي (متمثلاً بحزب النور والجماعات الإسلامية الأخرى) بالناحية الاجتماعية للشارع العربي. فأقاموا معظم الخدمات الصحية والتعليمية والرعاية الاجتماعية، التي عجزت الدولة عن إقامتها وقدموها للجمهور مجاناً أو بأسعار رمزية تماماً، ليثبتوا للشارع العربي أنهم أقدر من الدولة القائمة على خدمته وتيسير الحياة له. وبذا، كسب هذا التيار عطف الشارع العربي وتعاطفه وتأييده، الذي رأى في التيار الديني الجهة والقوة السياسية، التي تستطيع مستقبلاً حلَّ مشاكله المستعصية. وهو ما يريده الشارع العربي من الثورة ومن الثوار، إن تحرك نحو ذلك. ومن هنا، ينصح الباحث الفلسطيني حازم القواسمي (عضو رابطة الليبراليين العرب) الليبراليين العرب بالتحرك الاجتماعي، على غرار ما يفعله التيار الديني الصاعد، بفضل هذا التحرك المدروس، والمجرَّب. وينصح القواسمي كذلك، الليبراليين العرب، بأن يراعوا ظروف كل بلد عربي. وأن المفاهيم الليبرالية تختلف من بلد عربي لآخر، كما سبق أن أشرنا في مقالنا السابق، وعدنا وأكدناه في هذا المقال. ويعتبر القواسمي هذه النقطة جوهرية في إنجاح الحركة والفكر الليبراليين. ويقول بعدم نسخ الليبرالية الغربية في العالم العربي، وهو أيضاً ما أكدناه سابقاً.

6- والتحدي الآخر، الذي يواجه الليبرالية العربية، هو أن الليبرالية تنادي بالإصلاح في حين أن الإصلاح في العالم العربي، يقع خارج نطاق الفرد والحريات الفردية، كما يرى الباحث الليبرالي الأردني سائد كراجة. وهو يؤكد، أن هذا مربط فرس الفشل الليبرالي في العالم العربي. ويرى سائد كراجة، أن الوسيلة الناجعة لتثبيت الحريات الفردية هو التعليم، وبدون ذلك سيكون مصير الليبرالية الفشل، كما فشلت تجارب سابقة عدة.

7- وأخيراً، يرى الباحث الليبرالي اللبناني كميل شمعون (وهو ليس كميل شمعون الراحل، زعيم حزب الأحرار)، أن التحدي الذي يواجه الليبرالية والليبراليين اليوم هو فشلها بالمحافظة على مواقعها المكتسبة الآن. والتفريط بهذه المواقع قبل التفكير بكسب مواقع جديدة. لا سيما أن هذه المواقع مهددة الآن بعواصف التيار الديني الشديدة، في أكثر من بلد عربي. وخسارة أي موقع من مواقع الليبرالية كلبنان وغيره، ستؤدي إلى انتكاسة كبيرة في الحركة الليبرالية العربية الناشئة.

* كاتب أردني