الهيئة ... ليش ما تلبس طاقية؟

تصر هيئة الأمر بالمعروف في بلادنا (السعودية) على أن تلعب دور الثعلب في النكتة التي تقول: إن أرنباً اشتكى إلى الأسد، أن الثعلب كلما رآه ضربه قائلاً: ليش ما تلبس طاقية؟ فما كان من الأسد إلا أن استدعى الثعلب وعنّفه ليس، على الفعل نفسه بل على الطريقة، قائلاً: إذا أردت أن تضرب الأرنب ففتش عن سبب... فمثلاً قل له أحضر لي تفاحةً، فإذا أحضر لك تفاحة خضراء اضربه وقل له أردتها حمراء، وإذا أحضر لك حمراء اضربه وقل له أردتها خضراء.

اقتنع الثعلب بكلام الأسد وخرج فإذا الأرنب يمر أمامه فاستوقفه قائلاً: اذهب واحضر لي تفاحة، فسأله الأرنب أتريدها حمراء أم خضراء؟ فما كان من الثعلب إلا أن ضربه قائلاً: ليش ما تلبس طاقية؟

إنها الطريقة الأقصر تماماً التي تتخدها هيئة الأمر بالمعروف لوضع الطرف الآخر في وضع المخالفة الدائمة، فهي إن مسكت رجلاً وامرأة واتضح أنهما زوجان لا تعتذر إليهما، بل تقول للزوج ليش زوجتك ما تتغطى؟ وإذا ضبطت شاباً بتهمة المغازلة واتضحت براءته قالت له ليش ما تحلق شعرك؟

أما المستغرب فهو ما حدث مؤخراً بحسب ما نشرت إحدى الصحف، وهو أن الهيئة منعت فريق قناة العربية من تصوير ورصد حملة توزيع كتب الأديب غازي القصيبي على الناس في ذكرى وفاته السنوية، والقصيبي- رحمه الله- كان أديباً بارزاً ووزيراً وسفيراً للدولة، وكتبه تباع في المكتبات وما فعله مريدوه الأوفياء من الشباب ما هو إلا تعبير عن الوفاء.

والعربية قناة سعودية أرادت أن ترصد آراء من كانوا قريبين من هذه الحملة، لكن الهيئة تدخلت ومنعت تصوير نساء منتقبات وقفن للحديث مع "العربية"، ومنعت الهيئة القناة بحجة أن فريق العربية لا يحمل إذناً بالتصوير، وحين أبرز فريق التصوير الإذن الذي يحملونه، قال رجال الهيئة: لا نريد إذناً عاماً بالتصوير بل نريده خاصاً بهذا الحدث، ثم طلبوا من المرأة المنتقبة التي وقفت معهم أن تحضر إذناً من ولي أمرها يسمح لها بالتحدث إلى القناة.

القاعدة في الحياة أن يعيش الناس وفق إرادتهم ما لم تتعارض هذه الإرادة مع القانون ومع حقوق الآخرين، أما أن تنقلب القاعدة ليصبح كل فعل أو كل إرادة يحتاج إلى إذن رسمي فذلك زيادة على كونه مساساً بالكرامة هو تحويل الحياة إلى عبء كبير.

مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي مهمة إسلامية رفيعة، أما أن تُختَصر في ملاحقة العباءات الملونة وطول شعر الشاب وتقييد حرية النساء بولي الأمر المطلوب في كل صغيرة وكبيرة فهو انحدار بهذه المهمة الرفيعة، وتضييع لمصالح الناس. الأمر بالمعروف مهمة مؤسسات الدولة والمجتمع المدني وتتجلى في مراقبة هدر المال العام، وملاحقة الفساد الإداري والمالي في المشروعات التنموية المنهوبة، والدفع بمشروع إصلاح القضاء وتقنينه، وتفعيل صندوق الفقر العاجز، وملاحقة بطء التحقيقات في سيول جدة التي كان ضحاياها مئات الناس ولم يتم كشف المسؤولين عنها، هذا هو المنكر الذي يضر الناس ومصالحهم، أما العباءات الملونة وطول شعر الشباب فهي من السلوكيات التي تخص أصحابها ولا تضر أحداً.