الرئيس وزوجته هنديان، والدكتورة المحاضرة صينية، وليس لها ديانة، والصبي الصغير في المسجد من أصول ملاوية ويحفظ جزء "عم"، وأسماء أمهات المؤمنين، والكهل في محل التحف سألني بلغة مألوفة: من فين حضرتك؟! قلت له: من الكويت، وحضرتك من اليمن، قال: بالضبط... من حضرموت. لا تسأل عن الديانات فهناك خمس حاضرة ويمارسها الناس، مع وجود اللادينيين في سنغافورة، هذه الدولة التي لا يصل حجمها إلى نصف مساحة محافظة الأحمدي، يبهرك تاريخها كما يفاجئك تنظيمها الداخلي ونظافة بيئتها وطغيان عنصر الشباب ضمن هيكلها السكاني. نلاحظ تقاطعها مع الكويت في بعض الصفات، ومنها طبعا خطة التنمية مع فارق التوقيت!! خطتنا بدأت قبل ثلاث سنوات، وهم، وبكل تواضع، بدؤوا قبل استقلالهم عن المستعمر البريطاني عام 1965 بأربع سنوات؛ خطتنا رصد لها 30 مليار وخطتهم بدأت بالرقم الصعب "صفر"، وهنا الفرق، فقد تأسست الهيئة العامة للتنمية السنغافورية عام 1961 في أقل دول العالم دخلاً للفرد، وليس لديها بنية تحتية تذكر، وتشكو من البطالة الخطيرة، فبعد خروج المستعمر ترك وراءه المصانع والهيئات والمصالح بلا إدارة، فخرج العمال بدورهم إلى الشارع وبلا عمل. لم يكن الفريق يعمل بمبادرات شخصية ولا أحلام فردية، حيث "يصحى" المسؤول صباحاً، و"يتمغط"، وينظر إلى المرآة ويقول: "ليش ما تصير دولتنا مركز تجاري ومالي عالمي؟". هكذا وبهذه السهولة! وفي المساء يسمع عن شيء اسمه طريق الحرير ويقفز في ذهنه "مدينة الحرير". فريق التنمية عندهم لا علاقة له بالحكومة ولا يقع تحت إمرة أي وزير، الحكومة فقط للخدمات وتبعا لما يقرره هذا الفريق الذي يتكون من عشرة أعضاء ليس كلهم سنغافوريين، الحكمة ضالتهم والعلماء وقودهم والمختصون فريقهم. لديهم خطة عشرية تتكيف معها مؤسسات الدولة بخدماتها وتعليمها وتسويقها وعلاقتها الخارجية، ففي الستينيات كان التركيز على وضع بنية تحتية وإعمار الدولة والتنظيم الداخلي بواسطة شركات عالمية تأخذ مقابل ذلك فرصا استثمارية وعمالة رخيصة. وفي السبعينيات ذهب السنغافوريون إلى الصناعات الثقيلة، وبعدها في الثمانينيات دخلوا إلى عالم الطيران كالصناعة والبناء والنقل. وانتقلوا في التسعينيات إلى التكنولوجيا والبرمجيات الأقل تلوثاً، ودخلوا في الألفية الجديدة إلى الصناعات الدوائية، فنجحوا طبعا في هذا كله، والدليل، أن سنغافورة تعتبر الآن رابع أكبر مركز تجاري ومالي في العالم، ولديها خامس أكبر مرفأ في العالم أيضاً، جاء ذلك بسبب أسلوب الخطط العشرية وليس تبعاً للأفكار "الذكية" التي تطلع صباحاً وتنام مع صاحبها مساءً. مرفأ مبارك "حقهم" لا خوف عليه من الجيران لأن الذي خطط له كان يحب سنغافورة وحسب حساب كل شيء قبل أن يقدم، فلم يتم تهديده قبل بنائه؟! يفخر السنغافوريون بكل طوائفهم وفئاتهم وأديانهم بأنهم قفزوا من تركيب "القواري" إلى تجهيز الطائرات في أقل من ثلاثة عقود، من غير بترول طبعا.
مقالات
جوهرة الشرق
17-09-2011