الأسبوع الماضي قضيت أياماً جميلة في الكويت على هامش معرض الكتاب. الكويتيون من أكثر الشعوب الخليجية، وربما العربية حيوية. عززت هذه الحيوية، الحياة الديمقراطية التي بدأت منذ أوائل الثلاثينيات في الكويت، والحركات الطلائعية التي جعلت من الكويت، رغم صغر مساحتها، بلداً كبيراً بأفكار أهله، وحيوياً باهتماماتهم.

Ad

في المساء كنا نأتلف في ديوانية الصديق النشيط ماضي الخميس، أنا وأخي وصديقي الدكتور رشيد الخيون، بحضور نخبة من الإعلاميات والإعلاميين، والمهتمين.

سألتني إحدى الزميلات: كيف تنظر إلى واقع الكويت السياسي، وتجاذبات الحكومة ومجلس النواب؟ أجبتها، بأن شعوبنا العربية تتشبع بالشوفينية، فكل شعب عربي، يشبع نفسه جلداً في النهار، حتى ليقول كل طرف في الآخر ما لم يقله مالك في الخمر، ولكن الويل والثبور، لو تحدث أحد من خارج البلد، وإن كان أخاً قريباً، عن هذه الخلافات، أو وصف هذه الحالة المزرية، بأنها لا تليق.

أصرّت الزميلة، وغيرت وجه السؤال بقولها: هل تتمنى الديمقراطية الكويتية في السعودية؟!

كانت الصحف الكويتية نشرت قبل يوم أن افتتاح الدورة الجديدة لمجلس النواب، الذي حظي بكلمة أميرية، لم تخل من العتب حول علاقة الحكومة بالمجلس، حفل بمشادات نيابية- نيابية.

(القبس، الأربعاء 2011/10/26) ووصف أحد النواب زميله عند التصويت على عضوية لجنة الداخلية والدفاع بقوله: "حاميها حراميها". فرد عليه نائب آخر: "اسكت لا ترفع صوتك"! ثم قال الأول: "اقعد يا مرتشي". فرد الثاني: "أقسم بالله لا احط (الجـ...) بحلقك اللي يتكلم. تعبنا من الاتهامات ضدنا".

ذات الصباح أيضاً نقلت الصحف الكويتية أن أربعة من النواب رفضوا السلام على رئيس الحكومة، وعلى هامش العزاء المقام في السفارة السعودية بالكويت لوفاة ولي العهد الأمير سلطان، التقى نائب برئيس الوزراء فأشاح بوجهه عنه ولم يصافحه.

أما العبد الفقير إلى الله، فأجاب عن السؤال الذي أصرت الزميلة علي للإجابة عنه إلحاحاً، بقوله: كنتُ أقدم إلى الكويت في نهاية السبعينيات مع والديّ، وكنت أرى الكويت منارة من منارات التحضر والبناء، وقد كانت التيارات بيسارها ويمينها مزدهرة، والثقافة في أوجها، وأتساءل: هل ترون أن كويت الثلاثينيات، أو الستينيات، بل حتى الثمانينيات، هي كويت 2011؟! وأعلم أنكم ستجيبون بلا، لكني أخبركم بأن مسؤولية إعادة الكويت إلى ذاك الازدهار تقع على عاتق أبنائها وبناتها!

زدتُ وأنا أتحدث عن وجهة نظري الشخصية: أتمنى أن يكون في بلادي محاسبة للفساد، وأتمنى أن يكون لدينا شفافية، وأتطلع إلى الديمقراطية، لكني لا أتمنى أن يكون نموذج الحوار المنشور في الصحف عن نقاشات مجلس الأمة، هو النموذج المطبق في بلادي.

كان بعض الزملاء ينقلون على "تويتر" أحداث الندوة، فلما نقلوا رأيي، ضج المحتجون من الأحبة الكويتيين على العبد الفقير إلى الله، وكالوا له السباب والشتائم، معتبرين أنه يقدح في وطنهم، وأنه ينتقده بما لا يليق.

وأتجاوز السباب، فهو منطق من لا منطق له، لأعود بالفكرة إلى لبها، فالكويت التي نحبها، تلك التي كانت قبلة للمتطلعين إلى الأفضل، ليست هي كويت اليوم، أقولها مع شديد الأسف، وأترفع عن مقارنات الصغار، وأتطلع إلى عقلاء الكويت، لينظروا باتجاه الأبيض، ويتقدموا باتجاه الأفضل، فعودة الكويت لتكون كويتاً رائعاً، هي ما تشرئب إليه أعناق من يحبها، وأشهد الله أني منهم!