"أول الرقص حَنْجلة"... فهذا الغزل بين الولايات المتحدة، كإدارة، وبين الإخوان المسلمين، إخوان مصر، يدل على أن التحالفات الدولية في هذه المنطقة ستشهد متغيرات رئيسية وجذرية في السنوات القليلة المقبلة، وأن الأميركيين سينقلون البندقية من كتف إلى آخر، وأنهم، بعدما سقط كل هذا العدد من حلفائهم، باتوا مضطرين إلى المجيء هرولة، لإصلاح ما كان قائماً بينهم وبين مَن باتوا يمسكون بأزِمَّة الأمور، وفي مواقع المسؤولية. جاء في صحيفة "نيويورك تايمز" أن إدارة الرئيس باراك أوباما بدأت تراجع سياسة عدم الثقة والعداء التي استمرت عقوداً عدة مع جماعة "الإخوان المسلمين" في ضوء الانتصارات الانتخابية التي حققتها الحركة الإسلامية في مصر وتونس والمغرب، والسعي إلى صياغة علاقات أوثَق مع هذه الجماعات التي كان الأميركيون ينظرون إليها حتى وقت قريب على أنها تعارض مصالحهم في الشرق الأوسط ومعادية لمجمل السياسات الأميركية في هذه المنطقة. وحقيقة، إنْ كانت مثل هذه المراجعة ستتم وستنجح في تأسيس علاقات جديدة بين الولايات المتحدة والحركة الإسلامية بكل فروعها في هذه المنطقة، ولاسيما "الإخوان المسلمين"، فإن الأمر سيكون بمنزلة عودة المياه إلى مجاريها، فهؤلاء في مراحل الحرب الباردة وصراع المعسكرات كانوا ينحازون، انحياز الحليف لحليفه، إلى الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي وضد كل الدول والأحزاب والقوى العربية المحسوبة على هذا المعسكر، وعلى ما كان يطلق عليه "الشيوعية العالمية". كان "الإخوان المسلمون" أوّل من استجاب لصرخة "الجهاد" التي انطلقت من واشنطن لمواجهة الاحتلال السوفياتـي "الشيوعي" لأفغانستـان الإسلامية، ولعل ما يعرفه كثيرون هو أن "الإرهاب" الذي انطلق من "تورا بورا" وأرعب الولايات المتحدة والعالم بأسره، هو إنتاج ذلك الجهاد، وأنه تم في مفرخة تلك العلاقة الآثمة بين المخابرات الأميركية وبعض الذين وُظِّفوا كسماسرة ملتحين للدعوة إلى تحرير دولة إسلامية من جيوش الإلحاد الشيوعي!. في كل الأحوال، فإنه أمر طبيعي وعادي أن تتخلى أميركا، من أجل مصالحها الحيوية في هذه المنطقة الحساسة، عن أحصنتها الخاسرة، وأن تراهن على "الإخوان المسلمين" بوصفهم الأحصنة الرابحة، وكذلك فإنه أمر طبيعي أن تستجيب هذه "الجماعة" لهذه التوجهات الأميركية، إذْ إن المصالح هي التي تحدد السياسات، و"الإخوان" يعرفون أنهم إذا أرادوا أن يستمر تفوقهم في الشرق الأوسط فترة أطول، فإن عليهم أن يتعاطوا مع الواقع الدولي بمزيد من الإيجابية، وهنا من المؤكد أنهم يعرفون أن زمام الواقع الدولي حتى الآن في واشنطن لا في غيرها!
Ad