كلمة «القبيضة» التي أصبحت على كل لسان أخيراً، قام بابتكارها نواب المعارضة لنعت زملائهم الذين تضخمت أرصدتهم بملايين مجهولة المصدر حولوا إثرها إلى النيابة العامة، في إشارة منهم إلى أن هؤلاء النواب قد قبضوا هذه الملايين ثمناً لمواقفهم السياسية، وقاموا- المعارضون- إثر ذلك بمقاطعة الجلسات وعدم حضور اللجان بدعوى أنهم يرفضون الجلوس إلى جانب القبيضة أو العمل معهم، فتطهير المجلس منهم، أولا وقبل أي شيء، هو الشرط لمواصلة العمل في ذلك المجلس، فالقضية قضية مبدأ!

Ad

ولأنها قضية مبدأ، أرى من الحق والعدل والإنصاف، مراجعة ملفات كل «قبيضة» المجلس من الستينيات إلى اليوم، فمنذ وعينا على الدنيا ونحن نرى النواب يدخلون البرلمان «إيد جدام وإيد ورا» ليخرجوا بعد سنوات منه، وهم يتكلمون بالملايين، ولتتحول هذه النقلة الصاروخية من الفقر إلى الثراء إلى دافع رئيس للترشح لمجلس الأمة لدى كثير من الطموحين إلى «الترزز» في «البشت» النيابي وما يترتب عليه من منافع لا تعد ولا تحصى!

ما عدا قلة قليلة من النواب يعرفهم الكويتيون جيداً عبر تاريخهم النيابي النظيف، خرجوا من المجلس كما دخلوا، فإن أغلبية النواب قد قبضوا وقبّضوا أهلهم وجماعتهم إلى أقصى حد ممكن، ولو ألقيتم نظرة سريعة على النواب الذين انتخبتموهم قبل أعوام وقارنتم بين أحوالهم السابقة والحالية لعرفتم الفارق الشاسع بين الحالتين. ليس بالضرورة أن يكون النائب حكوميا ليقبض، فمن الممكن أن يقبض المعارض مثله وأكثر، فالاختلاف في الأسلوب والأداة لا أكثر، هذا يستخدم الطاعة وذاك يستخدم التهديد، وكثيرا ما يكون التهديد أشد تأثيراً وأكثر كلفة بمراحل من الطاعة!

ثم من قال إن النائب «القبيض» فقط من يقبض المال، فـ«القبيضة» أنواع: هناك «قبيض» المعاملات، و«قبيض» المناصب والترقيات، و«قبيض» المشاريع التنفيعية، و«قبيض» العلاج بالخارج، و«قبيض» المزارع والشاليهات، يتعدد «القبيضة» والهدف واحد، بيع الضمائر والذمم والأوطان!

وكما أن هناك نواباً «قبيضة»، فإن هناك ناخبين «قبيضة»، بعضهم يقبض المال لينتخب، وبعضهم يقبض الوظيفة الممتازة أو المنصب الحساس ممن يستحقه أكثر منه، وآخرون يقبضون إجازة صيفية على حساب الحكومة بداعي العلاج دون وجه حق، والبعض يقبض «واسطة» من نائب مخصص للطوارئ في حال ارتكب جريمة مخلة بالشرف والأمانة ليتدخل ويخرجه منها «زي الشعرة من العجين»، وربما حوَّله إلى ضحية وحوَّل الضحية إلى جانٍ بـ«سحبة بشت»!

نعم، محاسبة النواب «القبيضة» ووضعهم في السجون إن ثبتت عليهم التهم ليصبحوا عبرة للآخرين أمر مستحق وواجب، لكن مراجعتنا لأنفسنا ولبقية النواب واجب أيضاً، وعلى كل واحد منا أن يسأل نفسه: ما الذي قبضه ليلة الانتخابات؟ هل كان «قبيض» مال أو معاملة أو «واسطة» ذلك اليوم؟ إن كان قد فعل، فأرجوه، ألا يفعلها في الانتخابات القادمة، لا من أجلي ولا من أجله، ولكن من أجل الكويت، فالكويت تستحق الأفضل، رئيساً ونائباً... وناخباً أيضاً!

***

تعاطفي مع الشباب المحتجزين في النيابة لا حد له، وأملي ورجائي أن يتعطف سمو الأمير عليهم بعفو أميري اليوم قبل الغد لا حد له أيضاً، لذلك، أشعر بما يشعر به من اعتصموا في ساحة «قصر العدل» من أجل أن يفرج عنهم وألا يتم التعسف في إجراءات التحقيق معهم، وأقدر اللفتة الإنسانية من الجمع البائت هناك، غير أنني أشعر بأن من واجبي التنبيه إلى أن بعضهم- النواب خصوصا- بدأ يشطح في عباراته وأوصافه لهؤلاء الشباب، فوصفهم بالأبطال والمعتقلين غير جائز بالمرة، فلا بطولات قاموا بها سوى تصرف حماسي أرعن قد نجد لهم العذر والمبرر له، لكننا لا نقر لهم أبداً بصحة ما فعلوه، أما وصفهم بـ«المعتقلين» فلا أظنها جائزة أيضاً، فهم محتجزون على ذمة قضية لا أكثر. والخطأ الأكبر الذي يقع فيه بعض النواب- بدافع تأنيب الضمير ربما- هو مباركة ما قاموا به، لأنه سيؤصل بذلك مفاهيم خاطئة عند كثير من الشباب والنشء بأن مخالفة القانون والفوضوية بطولة يكافأ عليها المرء، ويتكاتف الجميع من أجل ألا يدفع الجاني الثمن، إنه خطأ كبير، والصواب هو أن نطالب بعدم التعسف معهم، وأن تتم الإجراءات بما يكفل حقوقهم، دون أن تشجعهم وتصفهم بالأبطال، إنك بهذا تضرهم وتضر من يأتي بعدهم!