جابر المبارك... وأزمة الثقة
من كل حصاد الفترة السياسية المضطربة السابقة، وهو في أغلبه حصاد مر وللأسف، أومن بأن أخطر نتيجة وصلت إليها الحالة الكويتية هي أزمة الثقة، وهي أزمة ضاربة أصابت كل الأطراف تجاه كل الأطراف، سواء من قِبل السلطة تجاه القوى السياسية على اختلافها، أو من قِبل هذه القوى السياسية تجاه السلطة، أو من قِبل عموم الناس تجاه القوى السياسية جميعا، وأخيرا وهو الأهم من كل ما سبق، انعدام ثقة عموم الناس بالسلطة نفسها!الثقة هي أساس كل شيء في هذه الدنيا، وعندما تنعدم الثقة تتوقف دورة الحياة في كل مناحيها، وليس في السياسة فقط. دون وجود أقدار معينة من الثقة تتوقف عجلة الاقتصاد وتشل الحياة الاجتماعية وترتبك بعض علاقات الناس ببعض، ولكم أن تتخيلوا كيف ستكون الحال عندما يفقد الناس ثقتهم بسلطتهم السياسية ونظامهم الذي يعولون عليه أن يسيِّر شؤونهم ومعايشهم ويلبي احتياجاتهم.
هذه النقطة الحرجة التي وصلت إليها الحالة في الكويت، هي النقطة الأصعب أمام رئيس الحكومة الجديد الشيخ جابر المبارك، لأنها ستلقي بظلالها، بطبيعة الحال، على كل شيء آخر.الحكومة الحالية هي حكومة انتقالية مؤقتة، لذلك لم يكن صعبا تكوينها وتجميع أعضائها، فأغلب من فيها هم أنفسهم وزراء المرحلة السابقة، لكن الصعوبة الحقيقية ستكون عند تكوين الحكومة القادمة، وذلك في ظل العزوف المتنامي للكفاءات والكوادر الوطنية عن المشاركة في حمل الحقائب الوزارية بسبب السمعة السيئة للأداء الحكومي، وبسبب الفكرة الراسخة بأن الوزراء، هم في الأغلب، ليسوا بصانعي قرار إنما مجموعة موظفين في مناصب عالية وبرواتب وامتيازات مرتفعة، فقط لا غير. لذلك، ولكي يتغلب رئيس الحكومة الجديد على هذا العائق الكبير جدا، فليس أمامه من طريق سوى الإنجاز، وأنا هنا أتحدث عن إنجازات حقيقية، وبالأخص من تلك النوعية التي تلامس مصالح الناس واهتماماتهم المباشرة، حتى تعيد لهم جزءا من تلك الثقة الضائعة.نعم، صحيح أننا لاحظنا خلال الأسابيع الماضية حزمة من القرارات الحكومية الإيجابية، وبالأخص على صعيد ملف الانتخابات والرغبة بضمان جودة مخرجاتها، مما قد يبشر بوجود نية طيبة تجاه المرحلة المقبلة، لكن هذا ليس بكاف لوحده، ولن يكون كافيا أيضا أن تعدنا الحكومة ممثلة برئيسها بأنها ستعمل وستفعل، فهذا كذلك لن يغني عن أن يرى الناس شيئا حقيقيا يتمثل على أرض الواقع.يجب أن يسعى رئيس الحكومة الجديد، وعاجلا غير آجل، أي خلال الأيام القريبة القادمة إلى دفع الوزراء الحاليين جميعا نحو تحريك المياه الراكدة في وزاراتهم، وما أكثر المياه الراكدة في كل الوزارات والقطاعات الحكومية. كثير من الأمور يمكن تعديلها وإصلاحها في وقت قصير ودون الحاجة لاستصدار قوانين وتشريعات ودون الحاجة إلى ميزانيات وأموال طائلة، إنما هي بحاجة فقط إلى إرادة جادة وصادقة من المسؤولين المباشرين الذين يجب أن تمنح لهم الصلاحيات للعمل، وأن يحاسبوا بعد ذلك عند التقاعس والفشل في تحقيق المطلوب.ولعل أبسط مثال على ذلك هو الدورة المستندية البيروقراطية المجنونة في دوائرنا الحكومية، والتي يشكو منها الناس جميعا، ولا يمكن أن تخفى على وزير أو مسؤول، والتي في ذات الوقت يمكن معالجة أجزاء كبيرة منها، في قناعتي، بشكل سريع وفعال وملموس الأثر على نطاق واسع، إن توافرت الرغبة الحقيقية لذلك.سمو رئيس مجلس الوزراء، نحن اليوم بحاجة ماسة في هذه المرحلة، إلى رؤية إنجازات حقيقية تكشف لنا عن المصداقية وقدرة الحكومة بقيادتها على التغيير حقا، وأما ما عدا ذلك فلن يكون له أثر، وسيكون بلا فائدة تذكر.