إلى جانب محاولة إخافة الأقليات المذهبية من أنها ستصبح مستهدفة، وأن مصيرها سيكون "على كف عفريت" إن سقط نظام الرئيس بشار الأسد، فإن هناك تحشيداً ضد الانتفاضة السورية أيضاً، وتشويهاً لها من خلال التحذير من أن سقوط هذا النظام، إضافة إلى استهداف هذه الطوائف، سوف يعرض اللاجئين الفلسطينيين في سورية الذين تقدر أعدادهم بنحو نصف مليون لاجئ لعمليات طرد جماعي على غرار، وهذا "الغرار" غير صحيح على الإطلاق، ما تعرض له إخوتهم في العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين عام 2003.

Ad

فهؤلاء اللاجئون الذين أُجبروا على مغادرة وطنهم فلسطين عام 1948 قد استُقبلوا في سورية وفي العراق وفي باقي الدول العربية، التي استقبلت لاجئين فلسطينيين، بالترحاب، وقد احتُضنوا من قبل الشعب السوري كما احتُضن أشقاؤهم من قبل الشعب الأردني والشعب العراقي، إخوة أعزاء، وقد تم تقاسم لقمة العيش معهم في تلك السنوات الصعبة، وجرى توفير الأمن والاستقرار لهم، ولم يسجل التاريخ ضدهم أي تطاول في سورية حتى بدايات ستينيات القرن الماضي.

في عام 1963 قام الضابط الناصري في الجيش السوري جاسم علوان بمحاولة انقلاب فاشلة مضادة للانقلاب الذي قام به البعثيون في الثامن من مارس على حكم "الانفصال" المعروف فكانت المرة الأولى التي تعرض فيها مخيم فلسطيني في سورية للقصف، عندما قُصف مخيم اليرموك المجاور لمدينة دمشق بالمدافع الثقيلة وجرى اقتحامه من قبل وحدات المغاوير، والسبب أن بعض الضباط الفلسطينيين قد شاركوا في تلك المحاولة الانقلابية، وأن هذا المخيم قد أبدى تعاطفاً مع الانقلابيين وحركتهم "الناصرية".

لقد كانت هذه أول مرة يُقصف فيها مخيم فلسطيني في سورية بالأسلحة الثقيلة ويتعرض لاقتحامات من قبل مغاوير الجيش السوري، أما المرة الثانية فكانت بعد أسابيع من بداية هذه الانتفاضة المتصاعدة الآن التي كانت بدأت كما هو معروف في الخامس عشر من مارس الماضي، حين تعرض مخيم "الرمل" الصغير في مدينة اللاذقية الساحلية لهجمات عسكرية متكررة، وقصف من الزوارق المسلحة، فسقط من أبنائه عشرات الفلسطينيين، وتم دفع آخرين للرحيل عن مخيمهم دفعاً، وكل هذا تم تحت صيحات: "بشار الأسد رئيس إلى الأبد"، وتحت شعار: "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة".

لا تجوز الإساءة إلى الشعب السوري العظيم بإثارة المخاوف من أن سقوط هذا النظام، الذي كانت بدايته قصف مخيم اليرموك بالمدافع الثقيلة، وها هي نهايته باستهداف مخيم "الرمل" الصغير في اللاذقية واجتياحه مرات عديدة خلال الشهور الماضية، سيعرض اللاجئين الفلسطينيين في سورية، التي كانت وستبقى قلب العروبة النابض فعلاً، للتهجير والتشريد، ودفْعِهم تحت فوهات الدبابات إلى الهروب إلى الدول المجاورة.

ثم إن المفترض أن ذوي الذاكرة الحية، التي لم تصدأ، يتذكرون أن قوات هذا النظام، نظام حافظ الأسد والد بشار الأسد، قد ارتكبت تلك البشاعات التي ستبقى محفوظة في كتب التاريخ ضد مخيم "الزعتر" الفلسطيني في ضاحية بيروت الشرقية في أواسط عقد سبعينيات القرن الماضي بعد الاستمرار بقصفه قصفاً شديداً لأكثر من أسبوعين ثم السماح للميليشيات الطائفية باجتياحه وارتكاب مذابح فيه لا تقل وحشية عن مذابح صبرا وشتيلا، ومن المفترض أيضاً أن هناك من لا يزال يذكر أن حصار مخيمات بيروت من قبل حركة أمل إلى أن اضْطُر أهلها لأكل الجرذان والجيف قد تم بإيعاز من أعلى المستويات في القيادة السورية، وبإشراف الأجهزة السورية، وبمشاركة بعض الفصائل التي تصف نفسها بأنها فلسطينية.