قلنا إن ثمة ما يمكن أن نطلق عليه «سينما مصر ما بين الثورتين» (1919 ـ 1952)، ووصفنا هذه المجموعة من الأفلام بأنها «كنز حقيقي» في تاريخ السينما المصرية. وإذا كان كثير منها يستند إلى الأدب، فإن بعض أهمها كتب كنص سيناريو للسينما، مثل «الفتوة» لنجيب محفوظ والمخرج صلاح أبو سيف.

Ad

في صدارة الأفلام التي تستند إلى الأدب أيضاً «القاهرة 30» (عن رواية «القاهرة الجديدة» أو «جريمة في القاهرة» لمحفوظ) إخراج صلاح أبو سيف، «بداية ونهاية» عن رواية محفوظ وإخراج صلاح أبو سيف أيضاً... ولعل هذه الثلاثية عن مصر بين الثورتين (1919 ـ 1952) هي ذروة أعمال المخرج الرائد صلاح أبو سيف، خصوصاً «بداية ونهاية» الذي يجمع النقاد على أنه أحد أحسن 10 أفلام في السينما المصرية. والغريب أن هذه الأفلام تعتبر الأنضج لمخرجيها. فـ«الحرام» الذي يصوّر تراجيديا عمال التراحيل والفقر في المرحلة ذاتها، هو أنضج أعمال بركات إلى جانب: «دعاء الكروان»، «في بيتنا رجل»، «الباب المفتوح»، إنها رباعية بركات التي تجعل منه أحد أكبر مخرجي السينما المصرية.

كذلك يعدّ كل من «صراع الأبطال» و{يوميات نائب في الأرياف» من أنضج أعمال المخرج توفيق صالح، والفيلم الثاني هو شهادة توفيق الحكيم الإبداعية وجزء من سيرته الذاتية عندما كان وكيل نيابة في الأرياف وشاهداً على مخازي أوضاع المجتمع. كذلك يعبّر «خان الخليلي» عن أنضج حالات الفن لدى المخرج الكبير عاطف سالم، و{البوسطجي»، الفيلم الثاني للمخرج اللامع حسين كمال، أحد أحسن أفلامه. أما حسن الإمام الذي عرف بأفلام الميلودرامات، التي هوجم على مبالغاته فيها كثيراً وكان هدفاً للنقاد لابتعاده عن الواقع ونزوعه إلى مصادفات وعواصف وعواطف الميلودراما الحادة، فحقق أهم أعماله في ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة وروايته المعروفة أيضاً «زقاق المدق».

وعلى رغم ملاحظات عدة، فإن ثلاثية «بين القصرين» هي العمل الذي يُذكر ما إن تُذكر ثورة 1919، وما زال أي برنامج يدعّم حديثه عن ثورة 1919 بعرض لقطات من «الثلاثية» التي تصوّر تظاهرات 1919 الشعبية الكبرى، وهي لقطات متقنة، حتى أن البعض قد يتصوّرها للوهلة الأولى حقيقية «وثائقية». يرجع ذلك إلى إمكانات سخية واستوديوهات وفرها القطاع العام السينمائي في الستينيات، تماماً مثلما فعل وأتاح استوديو مصر منذ الثلاثينيات. هكذا، لدينا من زاوية «السينما والثورة»، ثلاث مجموعات رئيسة:

الأولى: سينما عن مصر ما بين الثورتين (1919 ـ 1952) التي أنتج معظمها وأهمها خلال مرحلة ثورة يوليو (1952 ـ 1970).

الثانية: سينما ثورة يوليو التي تناقش مرحلتها، أنتج أشهر أفلامها خلال سنوات هذه الثورة، وغلبت عليها رومنسية ثورية وعاطفة وطنية صادقة وتحليل سياسي بسيط من بينها: «رد قلبي»، «الله معنا»، «بورسعيد»، «لا تطفئ الشمس».

بعد مرحلة الثورة، لا يوجد فيلم يُعتدّ به إلا «ناصر 56»... أما سوى ذلك، فلم يتعرض لثورة يوليو سوى سلسلة رخيصة تهاجمها، يمكن أن نطلق عليها «سينما القوى المضادة لثورة يوليو{، أو «سينما الردة»، أو «سينما النفاق لانقلاب السادات على الثورة»... بدأت بـ «الرصاصة لا تزال في جيبي» إثر حرب أكتوبر، واستمرت باندفاع وتحريض من السلطات، منذ منتصف السبعينيات إلى الثمانينيات.

الثالثة: سينما ما بعد ثورة يوليو وحتى قيام ثورة 25 يناير 2011، تعبر عن عصر الجمهورية الثانية والانقلاب على يوليو على مدار أربعة عقود، أو على الأقلّ في الفترة من 1974 إلى 2011، ومن أهم الأفلام التي عبرت عن موقف جاد نقدي تجاه تلك الفترة: «البداية» و{المواطن مصري» لصلاح أبو سيف. «عودة الابن الضال» و{هي فوضى» ليوسف شاهين. «أهل القمة» و{الجوع» لعلي بدرخان. «سواق الأتوبيس» و{البريء» لعاطف الطيب. «أحلام هند وكاميليا» و{عودة مواطن» لمحمد خان. «أرض الخوف» و{مواطن ومخبر وحرامي» لداود عبد السيد. «أنياب» لمحمد شبل. «ليه يا بنفسج» لرضوان الكاشف. «حين ميسرة» و{دكان شحاتة» لخالد يوسف. «عمارة يعقوبيان» لمروان حامد. «قصّ ولزّق» لهالة خليل. «ليلة سقوط بغداد» و{بنتين من مصر» لمحمد أمين... بطبيعة الحال تستحقّ هذه الأفلام دراسة شاملة، فنية وجمالية وسياسية واجتماعية في آن. ومن واقع قراءة تاريخ الوطن وتاريخ الفن، نتوقع أن يتحقق في السينما المصرية بعد ثورة 25 يناير 2011 إنجازان:

ثورة في السينما كدراما وجماليات وتطوّر حرفي وتقني، وسينما عن الثورة تعبّر عن الآفاق والحلم، الذي تجسده ثورة 25 يناير، وعن مصر الجديدة المنشودة، وعن مصر الشعب الثائر والشعب الناهض.