تهديدات الرئيس السوري بشار الأسد، التي ضمنها تصريحات لصحيفة "ذي صنداي تلغراف" البريطانية وقال فيها إن أي عمل غربي ضد بلاده سيؤدي إلى زلزال من شأنه أن يحرق المنطقة بأسرها، تعني أنه أصبح في مأزق حقيقي، وأنه لم يعد قادراً إلاّ على التفكير في الانتحار والحرائق والتقسيم "إذا كان المشروع هو تقسيم سورية فهذا يعني تقسيم المنطقة برمتها".

Ad

إن هذه ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها بشار الأسد إلى التهديد والوعيد، فهو كان قد قال مثل هذا الكلام سابقاً لكن ما يؤكد أن مأزقه قد تفاقم أنه عاد ليغرف مما في عقله الباطني، فهو تحدث في هذه المقابلة مع الـ"صنداي تلغراف" عن تقسيم سورية وعن حرق المنطقة كلها وعن عشرات من أفغانستان وعن زلازل وبراكين ما يدل على أن كوابيسه قد تضاعفت وأنه لم يعد يشعر بأي أمل لإنقاذ نظام حكمه الذي بات مصيره واضحاً وباتت نهايته قريبة.

لقد أصبح بشار الأسد في حالة من الارتباك الشديد جعلته كمن يصعد برجاً عالياً ويأخذ بتهديد المارة بالانتحار، وكان الأحرى به أن يعالج انتفاضة شعبه بالاعتراف بها وبوجودها أولاً وتجنب العنف واللجوء للقوة الغاشمة والتصعيد المتواصل، وبتقديم تنازلات حقيقية وعدم اللجوء للمناورات والألاعيب السياسية التي ورثها عن والده، رحمه الله على أي حال، ويومها كانت الأحوال في المنطقة وفي العالم وفي سورية ذاتها غير هذه الأحوال.

لم يتكلم أيٌّ كان عن التقسيم، تقسيم سورية، لا من المعارضة ولا حتى من الذين يُذبحون ويقتلون وتهرس جنازير الدبابات أجسادهم على الهوية الطائفية، والوحيد الذي ثبت أنه يعيش هذه الحالة وأنه يفكر فيها أكثر مما يفكر في مصير بلد وضعته السياسات الحمقاء وقصيرة النظر بين ألسنة النيران هو بشار الأسد، فالواضح، من خلال هذه التصريحات التي ضمنها حديثه لصحيفة الـ"صنداي تلغراف" البريطانية، أن خياره بات بعد أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه هو "القرداحة" وهو تحول هذه المنطقة إلى فسيفساء طائفية وفقاً للمشروع الإسرائيلي القديم الذي كان طرحه حتى قبل قيام الدولة الإسرائيلية موشي شاريت الذي كان أول وزير خارجية لهذه الدولة.

إذا كان بشار الأسد يريد فعلاً تجنب كل هذا الذي تحدث عنه لهذه الصحيفة البريطانية المشار إليها، وأسوأه التقسيم وتحوّل بلده إلى أفغانستان أخرى، فإن عليه أن يسحب "الشبيحة" من الشوارع وأن يعيد الوحدات العسكرية المنتشرة انتشاراً قتالياً من البوكمال في الشرق وحتى اللاذقية في الغرب، ومن درعا في الجنوب وحتى إدلب في الشمال إلى معسكراتها، وإن عليه أن يضع نفسه في تصرف شعبه بعد أن يحسم الأمور بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية قريبة بإشراف دولي وعربي. إن هذا هو النهاية الصحيحة لكل هذه الهواجس التي تؤرقه أما أن يبقى مصراً على حلول العنف والقوة العسكرية فإن هواجسه سوف تتحول إلى حقائق خلال فترة قريبة.

غير صحيح إطلاقاً أن ما تشهده سورية الآن هو صراع بين الإسلاميين والعرب العلمانيين، فهذا اختراع تآمري مناوراتي لتبرير كل هذه المجازر المستمرة والمتواصلة في البلاد، والصحيح هو أن هذا الذي يجري هو انتفاضة ينصهر فيها الشعب السوري بمعظمه ضد أربعين عاماً من القهر والظلم والاضطهاد، وضد أربعين عاماً من تهميش غالبية السوريين، والأسباب هنا معروفة، وترك "شبيحة" فئة تشكل الأقلية لتعيث في البلاد فساداً ولتملأها جوراً باسم حزب البعث الذي انتهى حكمه حتى قبل أن يحكم في الثامن من مارس عام 1963.