نرثي لحال الحكومة سواء في عقلية النظر في هذه المشكلة أو التعاطي معها أو حتى إدارتها الحالية على الأرض، ولا يبدو في الأفق أن هذا النهج الحكومي قد استوعب الدروس تلو الدروس في معالجة القضايا والمشاكل الحساسة حتى الأمس القريب، ومن ثم تجد نفسها مرغمة بقبول الحلول التي يفرضها الواقع ذاته.

Ad

أحداث منطقة تيماء في محافظة الجهراء لم تكن الأولى التي يتعرض فيها الإخوة "البدون" للتعامل البوليسي الشرس، ولن تكون آخر محطة في التحرك الميداني، وأقولها مرة أخرى سواء رضينا بذلك أم رفضنا على مستوى السلطة السياسية أو كمجاميع شعبية، طالما أن هذا الملف لم يحسم بشكل نهائي في إطار من القانون والمعايير الإنسانية والمصلحة العامة، فإن الحركة الميدانية المتمثلة بالاعتصامات والاحتجاجات، وما يتبعها من مواجهات ومصادمات مع قوات الأمن واستخدام الغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي واقتحام البيوت والاعتقالات.

هذه الحركة ستستمر ككرة ثلج تكبر مع استمرار تدحرجها مثلما كبرت المشكلة ذاتها بسبب الإهمال والعجز وازدواجية القرار من جانب الحكومات المتعاقبة على مدى نصف قرن.

وفعلاً نرثي لحال الحكومة سواء في عقلية النظر في هذه المشكلة أو التعاطي معها أو حتى إدارتها الحالية على الأرض، ولا يبدو في الأفق أن هذا النهج الحكومي قد استوعب الدروس تلو الدروس في معالجة القضايا والمشاكل الحساسة حتى الأمس القريب، ومن ثم تجد نفسها مرغمة بقبول الحلول التي يفرضها الواقع ذاته.

وليس بمستغرب أن تنتقل قضية "البدون" إلى الشارع وبشكل غير مسبوق، وبزخم وتأييد متناميين يوماً بعد يوم من الفعاليات المختلفة الشعبية والحقوقية والكويتية منها بشكل خاص؛ بعد أن وضعت الحكومة برنامج علاجها من خلال الجهاز التنفيذي، الذي تبين أنه الأسوأ على الإطلاق من جميع الحلول السابقة لاسيما في الجوانب الإنسانية والحقوق المدنية.

ولا نخفي سراً بأن الكثير من الاجتهادات والمساعي التي بذلت في هذا الشأن، وآخرها محاولة إقرار الحقوق المدنية لـ"البدون" بقانون، يلزم الجهات المختصة التعامل مع الجوانب الفنية والحياة اليومية للآلاف من البشر، ولكي تتفرغ الحكومة بدراسة الأبعاد القانونية والسيادية بروية وهدوء، قد باءت بالفشل إما بسبب العناد والمكابرة وإما من خلال خلط الأوراق وإشاعة الهلع بين الكويتيين بأن أبناء "البدون" سيزاحمونهم في لقمة عيشهم ومكتسباتهم الشعبية، وأن من يطالب بحقوقهم إنما يعني بذلك تجنيسهم، وكانت القيود الأمنية الملفقة والوهمية هي "بعبع" تخويف المواطنين. وقد استغلت الحكومة الكثير من دعوات الناشطين والنواب وجمعيات النفع العام بالصبر والهدوء باعتبارها الضوء الأخضر للتفرد بالتعامل مع "البدون" كفئة صغيرة ومحدودة الإمكانات بأسلوب القمع والتهديد.

ولكن أحداث تيماء الأخيرة أكسبت "البدون" زخماً شعبياً كبيراً، وتعاطف الكويتيين بشرائحهم المختلفة، وبدأت مبادئ حقوق الإنسان والفتاوى الشرعية والإعلام تميل إلى قضيتهم بقوة، وباتت الكويت أمام نظر الرأي العام العالمي في موقف لا تحسد عليه، ودعوة الحكومة إلى التجمع في ساحة الإرادة فقط تبدو مؤشراً لاستسلامها أيضاً أمام هذا الملف، إذ استطاع الكويتيون بجميع القوى الوطنية ومجاميع الشباب، ومعهم الآلاف من أبناء "البدون" أن يحشدوا لتجمع مشابه ليوم الاثنين الذي أسقط الحكومة والمجلس معاً، وتجارب الحكومة تقطع الشك باليقين بأن هذا المسار قد يكون هو الحاسم لحل مشكلة "البدون" جملة وتفصيلاً!