حتى قبل أن يغادر آخر جندي أميركي الأراضي العراقية بدأ العراق "يتفكك" مذهبياً، وجاءت البداية من اتخاذ رئيس الوزراء نوري المالكي، العائد توّاً من الولايات المتحدة، قراراً باعتبار نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، الواضح وضوحاً جَلياً لونه الطائفي مطلوباً للعدالة بتهمة أنه إرهابي وأنه ثبت تورطه في العملية الإرهابية الأخيرة التي استهدفت برلمان العراق.

Ad

فهل يُعقل هذا؟ وهل من الممكن تصديق أن نائب رئيس دولة متورط في عمليات إرهابية ضد برلمان دولته حتى يصدر مجلس القضاء الأعلى بحقه, بتوجيه من رئيس الوزراء نوري المالكي بالطبع, مذكرة اعتقال بدون توخي الدقة وبدون أن يحميه موقعه من هكذا إجراءات كيدية وتشويهية وارتجالية؟!

والمُقلق حقاً من زاوية الخوف على العراق ووحدته, التي هي مشروخة بالأساس منذ أن تم هذا التقاسم المذهبي والإثني والطائفي بالنسبة لـ"الأقاليم" وبالنسبة لمواقع المسؤولية, أن يعيد هذا الإجراء الأهوج, الذي شمل أيضاً نائب رئيس الوزراء صالح المطلق, الأمور إلى الحرب الطائفية المدمرة التي أزهقت أرواح عشرات الألوف التي اندلعت بعد إسقاط نظام صدام حسين مباشرة والتي استغلتها إيران للقيام بالمزيد من التدخل في الشؤون العراقية الداخلية، إلى حد فرض سيطرتها الأمنية وهيمنتها السياسية على بلد يشكل ركيزة من ركائز المجموعة العربية.

والغريب أن ائتلاف دولة القانون, الذي يرأسه رئيس الوزراء نوري المالكي والذي بات يثير المخاوف من أن يعود بالعراق إلى حكم الحزب الواحد والى نظام دكتاتوري وفردي استبدادي على غرار نظام صدام حسين, قد بادر على لسان أحد قادته الذي هو سعد المطلبي إلى اتهام تكتل القائمة العراقية الذي يقوده أياد علاوي بأنه لجأ إلى تعليق عضوية قائمته في البرلمان العراقي لـ"إفساد فرحة العراقيين بخروج آخر جندي أميركي من البلاد"، فأي فرحة هذه بينما هذا البلد بدأ يدخل نفقاً مظلماً قد يعيده مرة أخرى إلى كارثة الحرب الطائفية مع أن إجراء "التعليق" هذا جاء ردّاً على استهداف نائب رئيس الجمهورية.

إنها خطوة مدمرة هذه التي أقدم عليها نوري المالكي فإصدار مذكرة الاعتقال بحق نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، التي كشف النقاب عنها القيادي في ائتلاف دولة القانون حسين الأسدي، قد عزز القناعة لدى أبناء الطائفة السنية، التي جرى تحميلها وزر جرائم النظام السابق، والتي بقيت تشعر بالاستهداف والإقصاء على مدى التسعة أعوام الماضية بأن استهدافها لايزال مستمراً وأن اتهام الهاشمي بهذه التهمة الخطيرة هو بداية للمزيد من إغراقها بالسياسات الإقصائية المذهبية.

لقد كان على نوري المالكي أن يتروى كثيراً قبل أن يقدم على هذه الخطوة التي جاءت لتُلْهب المشاعر الطائفية والمذهبية أكثر مما هي ملتهبة فالعراق وهو يعيش هذه الظروف المأساوية بحاجة إلى التهدئة والابتعاد عن التوتير والحقن الطائفي ولهذا فإن المفترض أن تكون المعالجة بغير هذا الأسلوب الاستفزازي حتى وإن ثبت فعلاً أن أحد معاوني طارق الهاشمي أو أحد أفراد حمايته متورط في العملية الإرهابية التي استهدفت البرلمان العراقي قبل فترة، فالبلاد لم تُضبط أمنياً بعد وهناك اختراقات حتى في مكتب رئيس الوزراء نفسه وأيضاً في كل الأجهزة الأمنية وعلى أعلى المستويات!