القارئ التوأم
كنت أفكر في موضوع القارئ ودوره في النص الأدبي، وهل أقحمه النقاد الجدد إقحاماً في عملية فهم النص وتأويله، وأنا أقرأ بعض النصوص النقدية لمجموعة من الكتاب حين استوقفتني صورة لتوائم لا علاقة لها بالموضوع الذي أقرأه، ولكن الفكرة كانت تتطابق مع المفهوم الذي يطرحه هؤلاء النقاد والذي أجده يتماشى مع قناعتي الذاتية. التوأم يرتبط بعلاقة ساحرة مع توأمه الآخر فيشعر تماما بما يشعر به، ويتألم بقدر ألمه حتى أن كولن ولسون قال عن توأمه الذي سبقه في الولادة ومات: عشت طويلا أشعر بأنني التوأم الميت وأنه هو أنا.
القارئ، دون شك، هو باعث الحياة الى النص، وإن كان ليس هو الذي أوجد الحياة فيه. فكل كتاب هو مجموعة من الأوراق بين دفتين، قارئه الأول هو كاتبه، وكل قارئ جديد هو باعث آخر لهذه الحياة بتفاصيل مختلفة، ويراها بشكل مغاير عن رؤية الكاتب. الوحيد الذي يرى الحياة في النص متطابقة لما يراه الكاتب هو الذي أطلقت عليه القارئ التوأم. والقارئ التوأم ليس مصطلحا يدل على عجز القارئ عن خلق كتابة موازية لما قدمه الكاتب وانما، على العكس تماما، هو عجز الكاتب عن منح الفرصة لقارئه ليضيف شيئا جديدا للنص المكتوب. فالنقد اللغوي اليوم طور مفهوم "الجانرا" Genre الذي كان ينظر الى الشكل الأدبي متنوعا بين المسرح والشعر والملحمة والرواية وغيرها من الأشكال الأدبية الى أشكال الكتابة حسب علاقتها بالقارئ، فوصفة الطبيب على سبيل المثال هي كتابة يحل شفرتها الطبيب أو الصيدلي ولها شكل خاص بالكتابة تختلف مثلا عن كتابة أخرى كتقرير مالي أو لقاء صحافي أو رسالة جامعية وما الى ذلك من كتابات لا يضيف اليها القارئ شيئا ولا يملك تأويلها بعيدا عن الكاتب الأصلي لها، وهو هنا قارئ توأم دون أن يكون ذلك نقدا سلبيا للكاتب لأن المهمة المنوطة بالنص هي إيصال رسالة محددة للمتلقي ولا تمنحه مساحة لمجرد التفكير في كتابة موازية. الكتابة الإبداعية وحدها هي الكتابة التي لا يثبت شكلها الكتابي ولا يثبت تفسيرها أو تأويلها، ولكل قارئ كتابة أخرى موازية لها تختلف بظروف وثقافة وإدراك القارئ. ومتى اقتربت هذه الكتابة من حرفية الفعل الكتابي اقتربت من السطحية، وأصبح أغلب قرائها توائم لكاتبها يحملون نفس الانفعال ويدركون التفسير الوحيد الممكن للنص. وهي كتابة لا تختلف عن أشكال الكتابات التي ذكرتها كوصفة الطبيب أو التقرير المالي. في الكتابة الإبداعية يظهر الفشل الأول حين يتفق أغلب القراء على فهم أحادي للعمل، بمعنى أن يكثر التوائم من القراء الذين يرون في العمل خطا أحاديا ولا يحمل أبعادا تقود الى تأويلات ممكنة، ونطلق على العمل بأنه ساذج أو تافه أو سطحي، ويكثر القراء التوائم لأعمال كهذه لا تتطلب من القارئ جهدا لكتابة موازية هو في غنى عنها، وانما تزجية الوقت لا أكثر. وفي الأغلب نقبل هذه الأعمال في بدايات الكتابات الإبداعية للكاتب على أمل أن يقل القراء التوائم مع الزمن الكتابي والخبرة التي يكتسبها الكاتب المبتدئ، ولكننا لا نجد حلا لكتاب هرموا وما أكثر توائمهم!