"أزعجتونا بالإنسانية"، قالها صديق ونحن نتبادل الأحاديث عن ثورات الربيع العربي، هذا الصديق يعتقد وباختصار أن الإنسان هو من يمشي على رجلين ويطوّع الجماد وبقية المخلوقات من أجله، ويقال إن داخل رأسه يوجد "دماغ"، لكن هل هذا هو الإنسان؟!

Ad

إذن ما الإنسان؟ وماذا يعني أن يقول شخص إنه "إنساني"؟ هذا يعني أن تكون مدافعاً شرساً عن حقوق إنسان آخر كما لو كانت لك أنت، أن تكون "عادلا" في حكمك وتقييمك دون النظر إلى دين أو مذهب أو عرق، الإنسانية تصل أحياناً بك إلى أن يجافيك النوم لأنك تفكر في وضع إنسان آخر قد يبعد عنك قارتين لأنك تعلم أنه يتعرض لقمع الآن.

أن تكون إنسانياً ليس بالأمر الصعب، جرّب فقط أن تضع نفسك في دائرة الأحداث لتحكم على نفسك وبما ترتضيه عدالتك، جرّب مثلاً أن تكون "بدوناً" في الكويت، أو من مذهب معين في البحرين، أو تكون ثائراً وحراً في سورية... تخيّل أن تكون أحد هؤلاء واحكم على نفسك، بعدها تحدث عن الآخرين لاغياً من مخيلتك أساطير وخرافات المذهبية والعنصرية وغيرها.

أن تكون ممن يطلق عليهم "إنساني" لا يعني أنك تحمل قلباً ضعيفا أو رهيفاً، بل هذا يعني أنك تحمل في جعبتك هماً قد يطاولك أو يطاول أقرب المقربين إليك، يعني أيضا أن تحس بمعاناة الآخرين، ورويداً رويداً ستشعر بأنه حتى الحيوانات لها حق علينا احترامه بدلاً مما يفعل بها حالياً فقط من أجل تسلية أو طعام.

انظر إلى يمينك ويسارك واحسب، كم إنسانا بداخله حيوان؟ وكم حيوانا بداخله إنسان؟! فهذا الفيل على كبر حجمه يرفض أن يدوس حيواناً صغيراً، بينما نحن الإنس، ممن يملك "العقل" لا نتوانى على ظلم بعضنا بعضا، هذا فضلاً عن الفتك.

قبل هذا كله، تذكّر أن لديك عقلاً ترجح به المسائل، وتذكّر أن ما يفعله جوزيف كوني بالأطفال في أوغندا أو ما يواجهه "بدون" الكويت من سلب حتى لأبسط حقوقهم في الحياة قد تتعرض له يوماً من الأيام.

يا صديقي "المنزعج"، باختصار، وقدر ما أملك من مساحة في هذا العمود، قدّمت لك شرحي البسيط للإنسانية، وتأكد من كل من يقرأ المقال الآن هو "إنسان"، لكن اسأل نفسك: ماذا عن داخل هذا الإنسان؟!