كنت أتساءل دائماً، ليس في انتخابات مجلس الأمة الأخيرة هذه، وإنما لدورتين انتخابيتين سابقتين: ما الذي يجعل شابا يقود سيارة رياضية على شارع الخليج العربي، ويستمع إلى الموسيقى الغربية الصاخبة، وقد ينتهي به المطاف إلى مقهى «ستار بكس» ليحتسي قهوة يدفع ثلاثة أضعاف ثمنها عما هو في الخارج... ما الذي يجعل شاباً بهذه «الهيئة» يمنح صوته الانتخابي لمرشح إسلامي، أو قبلي؟

Ad

سؤال «الهيئة» أو المظهر هذا، قد يكون مرتبطا هو الآخر بالآلية التي تطرح فيها المؤسسات الليبرالية، أو التيارات الوطنية ذاتها، وهذه «الهيئة» ربما توحي بما هو عليه الحال في الدول الغربية، التي اجتازت مرحلة تقديم الذات على أساس ديني أو طائفي، وبدأت الحديث عن آلية لصنع مدنية معاصرة، منذ أواخر القرن التاسع عشر، وبلغت تلك الآلية ذروتها مع انطلاق هيئة الأمم المتحدة، وتحديدا ميثاق حقوق الإنسان، المثير للجدل.

ومن اللافت تأخر المرحلة التي أعلنت فيها الأمم الغربية احترام حرية الفرد، ومواثيق حقوق الإنسان، مقارنة بالمرحلة ذاتها التي بدأت خلالها التيارات الإسلامية ممثلة في شخصيات التنوير المعروفة طرح السؤال/ الإشكالية: «لماذا تأخر المسلمون، وكيف تقدم غيرهم؟»،  ومعروف أن مواثيق الامم المتحدة بدأت بالتبلور في النصف الأول من القرن العشرين، في حين أن سؤال/ التخلف هذا يحيلنا إلى عبدالرحمن الكواكبي، وخير الدين تونسي، ومحمد عبده وغيرهم. و قد انطلقت بعض جهود هؤلاء حتى قبل بداية القرن العشرين.

وليست صدمة البعثات التعليمية الأولى إلى فرنسا، هي وحدها الدافع إلى طرح هذا السؤال، والحفر في أعماقه، وإنما المهم، الحال التي وصلت إليها الأمة الإسلامية راهنا، وبعد مرور أكثر من مئة عام على طرح السؤال/ اللغز إياه.

ولعل المفكر السعودي المعاصر إبراهيم البليهي كان محقا بما يطرحه من أسئلة هي أقرب إلى جلد الذات، حين يعلن صراحة حالة اليأس من تغيير حال الأمة الإسلامية، بل إن المسلمين في رأيه هم سبب تأخر الأمم الأخرى، بمعنى أنهم لم يعودوا فقط عالة على غيرهم، بل عامل إعاقة لدواعي التطور والنمو.

بالعودة إلى الشاب الذي يقود سيارة رياضية، ويمنح صوته لمرشحين إسلاميين وقبليين، نتساءل، هل يفعل ذلك بسبب يأسه من التيارات الليبرالية التي بلغت من الضعف وقلة الحيلة الشيء الكثير؟ أم بسبب قناعته بأن هؤلاء المرشحين ربما لديهم الحل الناجع لمشاكل الأمة على الرغم من كل التجارب السابقة التي توضح فشل هذا الفكر القائم على القبيلة، وادعاء الدين، أقول ادعاء الدين لأن ثمة فارقا بين جوهر الدين، وهؤلاء المرشحين الذين رأينا نماذج لهم في ليبيا، ومجلس الشعب المصري، وأخيرا البرلمان الكويتي، الذي لا نعلم في أي اتجاه يسير.

ما نحتاج إليه هو إعادة طرح سؤال الفكر الإسلامي مجددا، ومن ثم عقد مؤتمرات متتالية للخروج بتصور للدولة المدنية الحديثة، من دون إغفال «الطرح الإسلامي» الذي يدغدغ مشاعر الناس أكثر من أي شيء آخر، نقول ذلك بعد أن أدركنا جميعا أنه لا مناص من العودة إلى الطروحات الإسلامية في جميع الخطابات السياسية، في صورة تشبه إلى حد كبير عام 1928، وهي السنة ذاتها التي أعلن فيها حسن البنا تأسيس حركة الإخوان المسلمين، ولكن هذا الفكر «البنّوي» مرّ هو الآخر بمراحل، بعضها معتدل كذاك الذي كان يطرحه الإمام محمد عبده، ومن ثم محمد رشيد رضا، الذي وصف بأنه الأقرب إلى الحركة السلفية، ربما بسبب نجاحه في الموازنة بين الفكر السلفي المعتدل، والإسلام المعاصر.

ويبقى السؤال/ المعضلة معلقا على الهواء «لماذا تأخر المسلمون، وكيف تقدم غيرهم؟»، فنحن أمام حالة حراك بلغت فيه التيارات الإسلامية قمة الهرم السلطوي، في جميع الكيانات السياسية المنتخبة، ولم يعد كافيا تأمل النموذج التركي، أو الاستئناس به، أو حتى حالة تأمل حالم لدولة ماليزيا، وزعيمها السابق مهاتير محمد، الذي نجح في صنع الدولة الاقتصادية الحديثة. الأحلام وحدها لا تصنع دولا متقدمة، وإنما ثمة أمور أخرى، من بينها خيارات الناخبين، وما يريدونه لمستقبل أوطانهم.