أول العمود: أستطيع أن أرى مدخول بيع النفط في الكويت بالعين المجردة، بينما أشعر بالتعب في بحثي عن تطبيقات الدستور على الأرض! *** خلال الـ49 عاما الماضية وانطلاقا من سنة 1962، سنة العمل بالدستور، جرت 8 محاولات نيابية تصدرها قوى نيابية دينية وأخرى غير مصنفة، بدءاً من عام 1976. وستكون الرغبة التي أُعلن عنها أخيرا وقبل افتتاح دور الانعقاد المقبل، المحاولة التاسعة إن تحولت إلى طلب نيابي رسمي. ولست هنا في وارد الاصطفاف تجاه القضية، لكن أجد من المهم أن نتبصر جميعا، كنواب ومواطنين، وخاصة جيل الشباب الذي بات ينسب إليه فضل الحراك السياسي الأخير وكثير من ثماره، أن نتبصر في خلفيات هذه المسألة التي سأختصرها ببعض النقاط: أولا: أن الآراء النيابية والدستورية حول صياغة المادة المشار إليها  قد بدأت بالجلسات أرقام 2، 7، 9، 18، 20، 22، 23 من محاضر لجنة إعداد الدستور، وتحديداً بتاريخ 24 مارس 1962. بينما جرى طرحها في مناقشات المجلس التأسيسي العامة بتاريخ 11 سبتمبر من العام ذاته، ومن المهم على مشرعي اليوم الرجوع لتلك المناقشات لاختصار الوقت والجهد. ثانيا: أن خلاصة تلك المناقشات كانت تدور حول ضرورة أن تكون الشريعة أساساً للقوانين كما ذهب آنذاك النواب (طلال الجري، أحمد الفوزان، نايف الدبوس، سعود العبدالرزاق، مبارك الحساوي)، أو أن تبقى المادة المصاغة كما هي اليوم لكونها تتيح للمشرع مرونة للأخذ من جميع المصادر، كما رأى كل من النواب (حمود الخالد، عبدالعزيز الصقر، د. أحمد الخطيب)، وهو ما حدث لاحقا. ثالثا: أن من المحاولات الثماني السابقة، لم تنل الجدية منها سوى مرتين، باتخاذهما الطريق القانوني لتصل إلى الأمير، وكان ذلك في عام 1976 في عهد الأمير الراحل صباح السالم والذي أرسل ردا للمجلس يتضمن ذات المسوغات التي شرحها الخبير الدستورى د. عثمان خليل عثمان عن كون الصياغة الحالية تضمن المرونة. (راجع ص5 من الجلسة 19 من محاضر المجلس التأسيسي). أما المرة الأخرى، فكانت في مايو 1994 عندما تقدم 39 نائبا بالتعديل للأمير الراحل جابر الأحمد، وكان الرد بأن الطلب لا يحتم تعديل المادة الثانية، إضافة إلى وجود لجنة استشارية لاستكمال تطبيق الشريعة الإسلامية شكلت عام 1991. رابعا: ما عدا ذلك، لم تتعدَّ الحالات الـ6 الأخرى مجرد إعلان الرغبة بتعديل المادة الثانية. خامسا: تثار على الدوام مسألة المذهب الديني الذي سيتم الأخذ به للتشريع، وهو ما يثير حفيظة أتباع المذاهب الأخرى، الأمر الذي انتبهت إليه القيادة السعودية في قرارها الأخير بتنويع تمثيل المذاهب في هيئة كبار العلماء. وفي الكويت يثير هذا الموضوع تخوفا جديا لدى المواطنين الشيعة، كما أن المواطنين من أتباع الديانة المسيحية معنيون بذلك، إضافة إلى أصحاب الرأي الذي يقول بمرونة الصياغة الحالية. سادسا وأخيرا: إن عدم نجاح المحاولات السابقة لتعديل المادة الثانية لم تقف حائلا من تشريع قوانين تقدم بها نواب دينيون كقانون منع الاختلاط في الجامعة، أو فرض كلمة (حسب الضوابط الشرعية) في قانون الحقوق السياسية للمرأة، والتدخل في القرارات الوزارية الخاصة بمراقبة الحفلات ومعارض الكتب بما يتوافق وهوى من تقدموا بتلك التعديلات، وهو ما يثبت نظرية مرونة صياغة المادة الثانية.
Ad