التجارب البشرية في النجاح!

نشر في 18-10-2011
آخر تحديث 18-10-2011 | 00:01
No Image Caption
 تركي الدخيل يروّج منذ فترة للكتب التي تتحدث عن إيقاظ القوى الخفية، أو التي تتحدث عن كيفية أن تكون مليونيراً خلال سنواتٍ قليلة، مع أن المؤلفين لو كانوا أدركوا كيفية العثور على تلك النتائج لما تفرغوا للتأليف أصلاً، ولاتجهوا إلى الملايين التي أسسوها بناءً على هذه المؤلفات.

الحديث عن إيقاظ القوى والعثور على أسرار النجاح المادي أو العملي قد يكون فيه وصايا وقصص جميلة، عن نجاحاتٍ لتجار أو عباقرة، لكن لا يمكن أن تكون تلك الوصايا هي النبراس الوحيد للوصول إلى النجاح، لأن النجاح في المعرفة أو الكتابة، أو الشعر أو الأدب، أو في التجارة والصناعة، أو في الدراسة والطبابة، هو نتاج تجارب الإنسان في حياته، وهو خليط من مجموع ظروفه، حينها يصنع تجربته الأساسية في النجاح.

مثلاً يطرح بعضهم الزواج كوسيلة للنجاح، بينما هناك عباقرة كثر لم يتزوجوا، أو فشلوا أسرياً، كما يتحدثون عن الأوقات الصباحية للتفكير مع أن أينشتاين يجد في الليل فرصةً للتأمل في أسراره وأسئلته، ويتحدثون عن التعليم منذ الصغر بينما هناك عباقرة لم يدرسوا في التعليم النظامي، ولم يكملوا تعليمهم مثل بيل غيتس، ويتحدثون عن الأخلاق، بينما فرانسيس بيكون وشى بأصدقائه وأعدم بعضهم حتى يصل إلى منصبه في الدولة وحصل له ذلك، إذن لكل شيء استثناءات، ولكل قاعدة ما ينقضها، والإلحاح على أن هذه القاعدة ثابتة وأبدية يعبر عن استعجال في رسم المنهج، لهذا يجب ألا نأخذ أمثال تلك الكتب نبراساً نهائياً للوصول إلى الأهداف التي نود الوصول إليها.

لكن مما يبعث على الإبداع برأيي أن تتم قراءة تجارب الآخرين، من خلال مذكرات الزعماء والزعيمات، ولحسن الحظ فإن كثيراً من المذكرات مترجمة للعربية، مثل مذكرات الرؤساء الأميركيين، ووزراء الخارجية، والوزيرات في أوروبا. المذكرات تعطي القارئ الدروس من دون شرح، وتعطيه قواعد من دون تقعيد، لأن التشابه بين الصعوبات التي تعترض طريقك، وبين ما تقرأه في هذه المذكرات أو تلك، يعطيك الدافع للاستمرار والنجاح. لهذا أعتبر المذكرات أهم من القواعد التي تتحدث عن خبايا وخفايا وأسرار الإبداع والنجاح والتجارة والعثور على المليارات خلال بضع سنين.

إن النجاح لا يدرس، بل يكتسب بالتجربة، وليس شرطاً أن تقلد هذا المبدع أو ذاك كي تكون ناجحاً، بل على العكس، فإن جمال النجاح في تميزه واختلافه، فهناك عشرات الفيزيائيين في العالم، لكن الذين نجحوا في التميز قلة، مثل أينشتاين ونيوتن وستيفن هوكنغ وستيفن واينبرغ وسواهم. إن أولئك العباقرة لم يقلد بعضهم بعضاً، بل اعتمدوا على تميز وفرادة تجربتهم ليصلوا إلى ما وصلوا إليه. النجاح اكتساب لا تدريس، الإنسان نفسه هو الذي يدرس طرق نجاحه.

حين تكون موهبة الإنسان في الأدب، فإن المدخل إلى النجاح في قراءة تجارب العمالقة في هذا المجال، وكذلك الأمر لمن هوايته الطب أو الفيزياء أو الكيمياء، لأن المذكرات تسرد صعوبات ربما تتفق وصعوبات يمر بها الإنسان.

أما أن يتجه البعض لشراء الكتب من أجل النجاح السريع مادياً أو علمياً، فهذه ربما تمنح البعض الطاقة أو القواعد المفيدة، لكن ليس بالضرورة أن تمنحه القدرة على النجاح التام في هذا المجال أو ذاك، بل الإصرار والقراءة في التخصص، واختيار التخصص الذي يريده الإنسان ويعشقه ليكون موضع تركيزه واهتمامه.

تلك خطوات أساسية في الطريق إلى الإبداع والتميز، ولتكن، مثلاً، قراءة السير الذاتية من خلال الموسوعات أساساً لكسب الإصرار. هناك كثير من الكتب التي تحكي سير العباقرة فلنقرأها، ولنجرب، فربما أمدتنا تجاربهم بوقود لتجاربنا الآتية.

back to top