كان على الأمم المتحدة أن تحذر من الحرب الأهلية لا من حربٍ أهلية، إذ ما هي الحرب الأهلية إذا لم تكن إرسال "الشبيحة" من فئة سورية معينة ليقتلوا أكثر من ثلاثة آلاف مواطن سوري ظلوا يحرصون على سلمية انتفاضتهم كل هذه الشهور وليجرحوا أعداداً غير معروفة تقدر بعشرات الألوف وليضعوا في المدارس التي تحولت إلى سجون مرعبة أكثر من مئة ألف حسب التقديرات المتواضعة وفقاً لتزايد هذه الأعداد مع مطلع كل يوم.

Ad

لم تبق ولا مدينة ولا قرية واحدة من مدن وقرى سورية, باستثناء مدن وقرى جبل النصيرين "الأشم", إلا وسالت فيها دماء غزيرة برصاص "الشبيحة", الذين هم إذا أردنا قول الحقيقة "ميليشيات" طائفية جرى إعدادها لمثل هذا الذي يشهده "القطر العربي السوري" منذ الخامس عشر من مارس الماضي, وبرصاص الوحدات العسكرية ذات اللون ليس الفئوي، بل للأسف الطائفي الواضح كل الوضوح، وكل هذا بينما يُثَقَّبُ رصاص هؤلاء صدور أطفال وأبناء فئة معينة من الشعب السوري بقيت تشعر على مدى أكثر من أربعين عاماً بأنها مستهدفة ومضطهدة، وأنها ليست شريكاً في وطن من المفترض أنه وطن الجميع وللجميع ولكل أبنائه بغض النظر عن انتماءاته الطائفية والدينية.

لا أصعب من قول الحقيقة بالنسبة لكل هذا الذي يجري في سورية، فالحديث عن أن هناك حرباً أهلية قد بدأت منذ مارس الماضي وبقيت متصاعدة كل هذه الأشهر موجع للقلب وجارح للإحساس الوطني والقومي، لكن ما العمل إذا كان هذا هو واقع الحال وإذا كان الذين يُقتَلون كلهم من الأكثرية المعروفة، وإذا كان الذين يقتلونَهم هم ميليشيات و"شبيحة" طائفة معينة جرى إعدادهم لمثل هذه اللحظة التاريخية التي ثبت أن هذا النظام المتسلط بقي يعمل ويتصرف وبقي يواصل الفرز على أنها قادمة لا محالة؟

الآن وبعد كل هذه الأشهر الدامية طرأ جديد هو اتساع رقعة الانشقاقات في الجيش "العقائدي"، وهذا يعني أن ظاهرة استخدام السلاح بين أبناء المؤسسة العسكرية ستسحب نفسها على الشعب السوري كله إذا بقي نظام الرئيس بشار الأسد يركب رأسه، وإذا واصل استخدام القوة العسكرية الغاشمة ضد الأبرياء والعُزَّل من أبناء شعبه، فالتمادي في العنف يؤدي إلى العنف لا محالة، وهذا يعني أن الصراع في هذا البلد, الذي أُبتليَ بالانقلابات العسكرية وبأنظمة الانقلابات العسكرية منذ نهايات أربعينيات القرن الماضي, سيأخذ طابع الحرب الأهلية المدمرة، ولكن من قبل طرفين وليس من قبل طرف واحد كما هو عليه الوضع على مدى الأشهر السبعة الماضية.

كل الحروب الأهلية، التي عرفها التاريخ ومن بينها الحرب الأهلية اللبنانية الأخيرة والسابقة والتي سبقت السابقة، ومن بينها أيضاً الحرب الإسبانية الشهيرة، تبدأ عندما تتمادى فئة سياسية أو طائفية أو دينية في اضطهاد وقمع الفئة الأخرى، وهذا هو الذي حصل والذي لا يزال يحصل في سورية، والذي بات يتخذ طابعاً تدميرياً، وحقيقة إذا لم تكن هذه هي الحرب الأهلية فإذن ما هي الحرب الأهلية يا ترى...؟!

حتى تكون هناك إمكانية لمعالجة هذا الذي يجري في سورية فإنه لابد من الاعتراف بأن هناك بداية حرب أهلية إن ليس حرباً أهلية فعلية وحقيقية كانت قد بدأت بحادثة درعا الشهيرة في الخامس عشر من مارس الماضي التي فجرت كل شيء، أما الاختباء وراء أحد أصابع اليد ومواصلة التعاطي مع الأمور مُواربة فإنه سيجعل كل من يعنيهم الأمر يفاجأون بحالة سورية, لا سمح الله, كالحالة الصومالية وعندها فإن التحسر وذرف الدموع الكاذبة والصادقة لن يفيد ولن يجدي.