أزمة أخلاق

نشر في 16-11-2011
آخر تحديث 16-11-2011 | 00:01
 ناصر الظفيري وما الحرب الا ما علمتم وذقتم

وماهو عنها بالحديث المرجّم

متى تبعثوها تبعثوها ذميمة

وتضر اذا ضرّيتموها وتضرم

فتنتج لكم غلمان أشأم لونهم

كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم

الأبيات السابقة هي المحصلة الإنسانية لمعلقة زهير، وهي قراءة مذهلة لحسابات ما بعد الحرب، أي حرب، تختل بعدها القيم وتتغير تركيبة المجتمع وينشأ جيل يحمل همه الذاتي ونزعاته المادية متخلياً عن أخلاقياته وإرثه ناسفاً ما حققه الجيل السابق للحرب من ثوابت أخلاقية وقيم مجتمعية.

الكويت مجتمع دخلت حرباً نتج عنها احتلال كامل للبلد وأخرى نتج عنها تحرير كامل البلد، والجيل الحالي هو نتاج هذه الحرب سواء كان شاباً أو طفلاً أو ولد خلالها. وهو جيل للأسف لم يتم تأهيله من تداعيات الحرب وآثارها الأخلاقية. لم يجد مؤسسة تحمل على عاتقها عبء تعميق مفهوم علاقة المواطنة بالأخلاق، ولهذا يعاني المجتمع من أزمة أخلاق حادة وربما يستحيل علاجها اعتماداً على الزمن، كما هو الحال في كل مشاكلنا.

أزمة الأخلاق التى يعانيها المجتمع ليست مقتصرة على فئة معينة وليست محدودة الخطر، وإنما تكاد تطغي لتصبح ثقافة بديلة لكل ما تركته الأجيال السابقة من عفة وعطاء وإيثار وتواصل وعمل جماعي ونكران الذات والفردية لصالح الجماعة. أزمة الأخلاق سببها لا يمكن إلقاؤه على فئة، وبالتالي يمكن حصرها ومعالجتها وإعادة تأهيلها، فهي تتفشى بشكل سرطاني في جميع خلايا المجتمع. فالذي يقرأ صحف الكويت لا يجد في صفحة المحليات سوى نزغة الأخذ والمطالبات المادية بعد انتشار ثقافة العطاء دون مقابل، وانتشار الرشوة بين أوساط بعض نواب الأمة ومشرعي قوانينها وحماة مالها العام شكل لدى الآخرين إحساساً بسهولة الكسب الحرام وربما بإجازته شرعاً، فانتشرت الرشوة والاستهتار بأمانة العمل العام وقوانين البلاد.

الذي يطالع أخبار الجريمة يجد أن مجموعة كبيرة من مرتكبي هذه الجرائم صغيرها وكبيرها هي التي أوكلت إليها مهمة الحفاظ على أمن البلد والمواطن، وهي التي أقسمت يميناً على ذلك. ولا يجد المواطن العادي بأساً في ارتكاب جرائم أصغر وهو يعلم أن القوانين يمكن اختراقها وتجاوزها مستخدماً من أوكلت لهم حماية القوانين.

الذي يزور الكويت والذي يعيش عليها يشاهد يومياً حالة التشنج العام وهو يقود سيارته في أي شارع من شوارعها وكأنه في صراع مع الآخر وحرب شوارع لا يحترم فيها قانون ولا تنظمها أخلاق مكتسبة أو متوارثة. لا يحترم الشاب الشيخ المسن ولا يحترم الرجل الملتحي الذي تتوسم فيه الورع المرأة.

المجتمع الكويتي من أكثر المجتمعات العربية اتصالا بالمجتمعات المتحضرة وهو يمارس الحضارة وأخلاقها خارج وطنه بصورة مثالية ولكنه يفتقدها حين يتعلق الأمر بوطنه وأهل وطنه لإحساس غريب بالملكية. فهو يعتقد أنه يمتلك كل شيء في وطنه، يمتلك الشارع ومرتادي الشارع، يمتلك القانون والخروج عليه واللجوء إليه. فهو كالابن الذي أفسده دلال أمه.

أزمة الأخلاق التى يعيشها المجتمع ليست حالة عابرة وإنما حالة تترسخ، وإذا لم يتم تداركها والحد منها بتفعيل القانون وإلغاء المحسوبية والواسطة فسيخرج لنا جيل أكثر شؤماً من جيل زهير بن أبي سلمى، ولا حل الآن بغير الحزم وفرض هيبة القانون، أما الاعتماد على أخلاق الناس وإعادة تأهيل المجتمع وإحياء دور المؤسسة الثقافية والاجتماعية فلقد فات الأوان وكما يقال بالمحلية "الشق عود".

 

back to top