لم يكن أصحاب الحكم في سورية العزيزة بحاجة إلى مسرحية أن "القاعدة" هي التي قامت بالتفجيرين اللذين استهدفا جهاز أمن الدولة ومبنى المخابرات في كفرسوسة واللذين لم يؤثرا بالطبع على من هم داخل الأسوار المنيعة المحصنة، وإنما على من كانوا خارج هذه الأسوار أو داخل السيارات التي جرى تفجيرها. اللعبة مكشوفة ولا يمكن تصديق أن تتحرك هذه "القاعدة" اللعينة من لبنان بمتفجراتها وبـ"مجوقلاتها" في اللحظة نفسها التي تحركت فيها طلائع المراقبين العرب من القاهرة في اتجاه دمشق، وأن يتم التفجير غداة وصولهم إلى "جلّقَ" وهم على مائدة الإفطار في صبيحة اليوم الثاني.

Ad

لقد كان بالإمكان حَبْك هذه اللعبة في دولة فيها نحو عشرين جهازاً أمنياً، وربما أكثر بطريقة أكثر معقولية لتمريرها على هؤلاء المراقبين وعلى الأميركيين ومن لفَّ لفَّهم، أما أن تُبلغ رئاسة الأركان اللبنانية قبل يومين مثيلتها السورية بتسرب بعض أعضاء "القاعدة"، لعنهم الله، من منطقة عرسال الحدودية إلى سورية، وألا يتم التصدي لهم، في وقت تعيش البلاد حالة استنفار قصوى، فيستطيعوا الوصول بمتفجراتهم وبـ"مجوقلاتهم" إلى القلعة الاستخبارية في كفرسوسة، ويرتطموا بالأسوار الخارجية لمبنى جهاز أمن الدولة، ومبنى المخابرات العامة، وتكون الحصيلة، والله أعلم، 44 قتيلاً و150 جريحاً "بينهم عسكريون ومدنيون"!

إنها مسرحية غير مقنعة، حتى لأصحاب أنصاف العقول، وكان على مخرجيها أن ينتظروا إلى أن ينسى الناس مسرحية معالي الأستاذ وليد المعلم الذي تم توريطه بلعبة استخبارية تم اكتشافها على الفور، وثبت أن المشاهد التي نقلها التلفزيون السوري على أنها لضحايا "العصابات الإرهابية المسلحة" في حمص وحماه وإدلب ودرعا والبؤر السورية المتوترة الأخرى هي لجرائم كانت جرت في لبنان، وكانت التلفزيونات اللبنانية قد بثتها في وقتها ولا تزال تحتفظ بها في أرشيفاتها، وحين تمت "إعارة" بعض نسخها إلى حزب الله قام بتمريره إلى جماعة "الممانعة والمقاومة" في دمشق فتم ما تم، وجرى ما جرى!

هذه المسرحية الرديئة الإخراج لم يستطع أصحابها تمريرها، لا على المراقبين العرب، ومن راقب الناس مات هماً، ولا حتى على المحللين السياسيين المكلفين تغطية الأحداث. من وجهة النظر السورية الرسمية، قد تذكر مسرحية فيروز الغنائية الجميلة التي يلعب فيها شخص وهمي اسمه "راجح" دور من يرعب تلك "الضيعة" الوادعة، بينما من يقوم بكل جرائم راجح الوهمي هذا هو مختار القرية، الذي من المفترض أنه المؤتمن عليها، وعلى مواشيها وعلى كل ما فيها.

هناك مسرحية لبنانية أخرى، كل شخوصها شخصيات تاريخية، واسمها: "أَخْوت شاناي" واسم هذه الضيعة الجبلية حقيقة هو "شانية" وليس شاناي، وهذه المسرحية من تأليف كلودا عقل، وسيناريو وحوار أنطوان غندور، ويلعب فيها دور "الأخْوَت" الممثل اللبناني المبدع نبيه أبو الحسن، أطال الله عمره.

كان هناك معتوه يُدعى حسن، ويلقب بـ"أخْوت" شاناي، وكان مقرباً جداً من زوجة المير (الأمير) بشير، إلا أن الفضل يعود إليه في جرَّ مياه نبع الصفا إلى قصر هذا الأمير. تقول الحكاية: إن جر المياه إلى قصر الأمير كان يكلف أموالاً طائلة غير متوافرة فقد تم اللجوء إلى هذا "الأخْوت" الذي أشار على الأمير بأن يجمع شعبه، وأن يعلن أن الضيعة ستموت عطشاً إن لم يتم جر المياه إليها، واقترح هذا "الأخْوت" بأنه مادام أهل الضيعة سيموتون حتماً فعليهم أن يصطفوا في رتل طويل من القصر حتى النبع، ثم يقوم كل واحد منهم بحفر قبره، الذي سيدفن فيه إذا ما توفي عطشاً، بنفسه، فكان أن حُفرت قناة طويلة تم جر المياه من خلالها من نبع الصفا إلى قصر الأمير، وإلى القرية كلها بفضل هذا "الأخْوت"... ويقول المثل: "خذوا الحكمة من أفواه المجانين".