توافق وطني حول الإصلاح السياسي
الحراك الشعبي والسياسي الذي يشهده مجتمعنا منذ مدة ليست قصيرة، والذي يقوده الشباب الوطني المتحمس بتوجهاته السياسية كافة هو تعبير حي عن حيوية مجتمعنا، وعن الروح الوطنية العالية التي يتحلى بها شبابنا الوطني المخلص الذي يحس بمسؤوليته الوطنية الكبيرة تجاه ناسه ومجتمعه، ويسخر طاقاته ومهاراته للتصدي لمن يحاول أن يسير بمجتمعنا عكس القوانين الموضوعية للتاريخ، حتى إن عانت بعض الاحتجاجات المطلبية والتحركات الشعبية السابقة بعض النواقص؛ مثل عدم الاتفاق بين القوى الشبابية المعارضة على مطالب محددة لإصلاحات سياسية جذرية، أو بعض المشاكل التنظيمية المتعلقة بتوقيت التجمعات العامة، أو أماكن التئامها، أو الشعارات السياسية التي تطرح خلالها ونوعية المتحدثين، وما يطرحونه خلال اللقاءات والتجمعات العامة.ولعل المراقب يلحظ تصاعد المطالب الشعبية التي طرحت خلال الاحتجاجات العامة، إذ بدأت بالمطالبة ببعض الإصلاحات البسيطة المتعلقة باللائحة الداخلية لمجلس الأمة؛ بعد أن تعمدت الحكومة تعطيل جلساته لرفع الحصانة عن النائب د. فيصل المسلم، ثم الرفض الشعبي لاعتداء قوات الأمن على النواب والمواطنين في ديوان النائب الحربش؛ لتصل إلى المطالبة بالإمارة الدستورية والحكومة المنتخبة خلال تجمع السادس عشر من سبتمبر الحالي، مرورا بالمطالبة بنهج جديد ورئيس وزراء جديد، ومحاسبة سراق المال العام والفاسدين والمفسدين.
وهنا لنا أن نتصور السقف السياسي الذي من الممكن أن تصل إليه المطالبات الشعبية، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معها إذا ما استمر الوضع السياسي على ما هو عليه الآن؛ من دون القيام بإصلاحات سياسية وديمقراطية جذرية في الإطار العام للدستور.وفي هذا السياق، وحتى يمكن أن تؤتي هذه التحركات السياسية الشعبية ثمارها، وتحقق ما يصبو إليه شعبنا الذي بدأ يفقد ثقته بالمؤسسات الدستورية التي حولت مع كل أسف إلى مؤسسات شكلية ينخر فيها الفساد بأشكاله كافة، فإن المطلوب الآن وبشكل ملح هو عملية توافق وطني عام بين كل القوى والشخصيات السياسية حول مطالب محددة وواضحة؛ لكيفية إنجاز الإصلاح السياسي والدستوري الشامل المستحق؛ على أن تطرح هذه المطالب على شكل مبادرة إصلاح سياسي لكي يلتف حولها الشعب الكويتي بفئاته وقواه كافة، إذ إنه ليس باستطاعة طرف سياسي أو مجموعة شبابية معينة الانفراد لوحدهما في إنجاز عملية الإصلاح السياسي والدستوري.من هنا تأتي أهمية التجمع العام الذي دعت إليه القوى السياسية والمجموعات الشبابية اليوم في ساحة الإرادة للمطالبة باجتثات قوى الفساد (الراشي والمرتشي) والذي تمت الدعوة إليه بعد اجتماع عام للقوى السياسية كافة باستثناء القوى السياسية "الشيعية" على إثر انكشاف الفضيحة المدوية المتعلقة بالإيداعات المليونية لنواب الحكومة، وكلنا أمل أن يكون هذا التحرك السلمي الديمقراطي هو البداية الصحيحة نحو بلورة توافق وطني عام حول مطالب الإصلاح السياسي والديمقراطي الجذري والشامل الملتزم بالدستور، والذي من دون أدنى شك سيجنب مجتمعنا الاضطرابات السياسية التي عانتها ولا تزال تعانيها بعض الدول العربية.