مع سقوط جدار برلين سقطت معه الحرب الباردة، وأعيدت السيوف الباردة إلى غمدها المثلج. كعادة الرئيس «الملهم» صدام حسين اختار أن يغزو الكويت في زمن غورباتشوف، مراهناً على انقسام المجتمع الدولي، وعندما اكتشف أنه يعاني ذات الصلف والغرور والحسابات الخاطئة التي دفعته إلى غزو إيران سنة 1980، استخدم أسلوب «القبضايات»، وأمسك بالكويت رهينة واضعاً سكِّنياً على رقبتها، ليكتشف أنه كان يضع سكيناً على نحره. وهكذا دفعته رياح عاصفة الصحراء هو وآلياته وتكتيكاته إلى حيث جاء.

Ad

كانت كل المؤشرات تدل على أنه راحل وساقط، إلا أن جورج بوش الأب قرر العودة والإبقاء عليه هناك دون تبرير، بل أحاديث كأحاديث الشعراء. كان سقوط صدام مسألة وقت في زمن الحرب الباهتة... ليأتي جورج بوش الابن محمولاً بأحلام وأوهام المحافظين الجدد فيسقط صدام ويقول في مايو 2003 «انتهت المهمة» ليكتشف أنها مهمة مستحيلة، وليتحقق أن مسألة الوقت قد حانت.

يذهب محافظ، جديدا كان أم قديماً لا فرق، ويأتي ديمقراطي، مميزاً إن شئت، أوباما، إن شئت، فيقتل أسامة، إن شئت، ويبقي على غوانتانامو مفتوحاً لكي نتذكر أن كرامة الإنسان مسألة نسبية.

يبدأ الزمن العربي بالحضور على الشاشة الدولية، وعلى كل أجهزة الرادار الكسيحة، فيذهب صنم، ليلحقه صنم، ويوشك على الذهاب أصنام أخرى، فيأتي وزير الدفاع الأميركي إلى منطقتنا العربية، ليقول في إسرائيل إن سقوط بشار الأسد ونظامه ليس إلا مسألة وقت، لتأتي روسيا والصين لتستخدما حق النقض الفيتو ضد فرض عقوبات على سورية، فتفرح بثينة شعبان، لم لا، فالزمن مفتوح، ومسألة الوقت نسبية على أية حال، إلا لتلك الدماء التي تسيل فلا نسبية فيها بل هي دماء بشر بدم قانٍ مطلق لا شبهة في احمراره.

يقال إن الوقت كالسيف... إن لم تقطعه قطعك... وها نحن بين مطرقة حكام عبثيين بدائيين همجيين تستخوذ على أدمغتهم شبقية السلطة، وبين سندان منظومة دولية منافقة هزيلة جشعة بشعة يقطعنا الوقت كما يشاء، ويتفرج العالم، فالحرب الباردة قد ولّت وحلت محلها الحرب الباهتة.