إن من يجب أن يطلق عليهم وصف «المؤزمين» فعلاً هم النواب ووسائل الإعلام والكتّاب الذين يبررون حالات الفساد، ويدعمون المحاولات الحكومية الرامية للالتفاف على الدستور وتفريغه من محتواه، وتحويل مجلس الأمة إلى مجلس شكلي مع أن عصر الديمقراطيات الشكلية والمجالس الصورية التي «لا تهش ولا تنش» قد ولّى غير مأسوف عليه.

Ad

ما لدينا هو شبه ديمقراطية لا ديمقراطية بالمعنى المتعارف عليه عالميا، إذ لا يمكن أن يكون هناك ديمقراطية حقيقية ما لم يكن هناك تداول للسلطة، أي حكومة منتخبة وأحزابا سياسية وفصلا حقيقيا بين السلطات، وهذه كلها غائبة لدينا، وبالتالي "فديمقراطيتنا" ناقصة أو أنها ديمقراطية الحد الأدنى حتى لو طبق الدستور كاملا، فما بالكم أنه لم يطبق بالشكل الصحيح منذ صدوره؟

فالصراع السياسي في مجمله والتأزيم المتواصل بين السلطتين يدوران حتى اللحظة حول تطبيق دستور 1962، أي القبول بالمشاركة السياسية الحقيقية والعمل تحت سقف الدستور لا خارجه.

إن القفز على هذه الحقيقة أو تجاهلها هو ما يجعل أزمتنا السياسية مستمرة، وهو الأمر الذي أتاح المجال الواسع لبعض المستلقين والانتهازيين أو الذين يعانون قصورا فكريا وسياسيا، أو من لديهم مصلحة آنية في استمرار الأزمة لإشغال الناس في تفاصيل هامشية وتافهة لن تؤدي إلى حل جذري للمشكلة السياسية التي باتت ترهق الجميع.

خذ على سبيل المثال لا الحصر تركيز بعض وسائل الإعلام وبعض الكتّاب بشكل مبالغ فيه على من يسمونهم "المؤزمين"، ويقصدون بهم مجموعة النواب المعارضين للحكومة السابقة ورئيسها، أو إبرازهم لبعض السلوكيات الخاطئة والمرفوضة لبعض النواب، وتصوير الأمر وكأن هاتين القضيتين هما السبب الرئيس للأزمة السياسية، مع أن عدد النواب المعارضين للحكومة السابقة وصل قبيل استقالتها إلى أكثر من نصف الأعضاء، أي أن أكثر من نصف الشعب الكويتي لم يكن يثق بالحكومة السابقة، فهل أغلبية الشعب كانوا "مؤزمين" أيضا؟!

أما السلوكيات والتصرفات غير المقبولة والاستثنائية التي تصدر من بعض النواب فهي نتيجة لا سبب للأزمة السياسية، فضلا عن أن المشادات الكلامية والتراشق بالألفاظ بل الاعتداءات البدنية بين الأعضاء موجودة في برلمانات العالم كافة، لكنها تبقى استثناءات مرفوضة لا تخل بمجمل العمل البرلماني.

ما هذا المنطق المتهافت؟ هل يجب أن يلتزم النائب الصمت المطبق على حالات الفساد التي كان أحد أمثلتها الصارخة فضيحة "الإيداعات والتحويلات المليونية"، وبغض البصر عن انتهاكات الدستور حتى يمكن أن يطلق عليه نائب "غير مؤزم"، أو "عاقل" كما يحلو لبعض وسائل الإعلام وبعض مؤيدي الحكومة من النواب والكتّاب أن يصفوه؟!

كلا بالطبع فالعكس هو الصحيح، أي أن من يجب أن يطلق عليهم وصف "المؤزمين" فعلاً هم النواب ووسائل الإعلام والكتّاب الذين يبررون حالات الفساد، ويدعمون المحاولات الحكومية الرامية للالتفاف على الدستور وتفريغه من محتواه، وتحويل مجلس الأمة إلى مجلس شكلي مع أن عصر الديمقراطيات الشكلية والمجالس الصورية التي "لا تهش ولا تنش" قد ولّى غير مأسوف عليه، حيث إننا نعيش الآن في زمن الربيع العربي وعصر ثورة تكنولوجيا المعلومات، وهو الأمر الذي يجعل تجديد نظامنا الديمقراطي الذي وضع أسسه دستور 1962 وتطويره أمراً لا مفر منه للمحافظة على استقرار وطننا وتنميته.