كلها أيام معدودات وسيتلاشى "صوت" المرشحين وستخمد كلماتهم، وستجف حلوقهم، وسيتوقفون عن إطلاق الخطابات الحماسية والتلويح بالسبابات والأذرع، وستصبح الكلمة كلمة الناخب والصوت صوته فقط.

Ad

أيام قليلة وسيكون الناخب هو والقلم وورقة التصويت وراء حاجز لن يراه أحد، لن يراه سوى من يعلم السرّ وأخفى، ربّ العزة والجلال، أيام قليلة وسيكون الناخب هو صاحب القرار، صاحب الكلمة لاختيار من يراه مناسبا ليمثله تحت قبة البرلمان حاملا آمال الوطن وآلامه، ساعياً إلى الإصلاح ومواجهة الفساد.

ستكون شهادة منه سيكتبها الله العزيز الجبار ليسأله عنها: "سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ". كلنا هذا الناخب يا سادتي، فلنتق جميعا "يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ"، ذلك اليوم العظيم "العبوس القمطرير"!

يجب ألا ننخدع ولو للحظة واحدة، فنظن أن الصوت ملكنا، نعطيه لمن نشاء، ونمنعه عمن نشاء، أو نبيعه لمن نشاء. لا، فالصوت ليس خروفاً حتى يباع ويشترى، بل هو "أمانة" استودعها الله عندنا لنؤديها "شهادة" لمن يستحقها، وابتلى الواحد منا بها ليرى ما هو فاعل، وتأديتها بحق هو جزء أصيل من تمام الإيمان بالله الحكيم، ولأن الإيمان معرّض لفتن متلاحقة لا تنقطع بل تتساقط ككسف الليل المظلم "أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ"، فالله يرصدنا في العلانية والسرّ ليرى ما نحن فاعلون، ومن لم يؤد الأمانات إلى أهلها فقد شرخ إيمانه حين لم يحكم بالعدل، وموعده في الآخرة "يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ".

من أعطى صوته لمن لا يستحق لمجرد أنه من قبيلته أو من عائلته أو من حزبه أو أعطاه لمرشح ما نكاية بآخر أفضل منه، فقد شهد زوراً، ومن أعطى صوته لمن يعلم بأنه لن يكون سوى "بصّام" آخر يضاف إلى قائمة البصّامين في البرلمان، فقد خان الأمانة، وسيجد ما فعل عند الواحد الجبار يوم العرض الأكبر "وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ".

أخي الناخب، صوتك ليس خروفاً تنحره في لحظة كرم تقديرا لمرشح طلبه منك أو تقديراً لمقام آخر صرخ طالباً فزعتك، صوتك ليس خروفاً تنحره مكافأة لمن أسدى لك خدمة من خدمات الدنيا، وإنما هو قطعة من دينك وآخرتك، فهل تراك ستذبحه إرضاء لخواطر الناس فتهدر آخرتك لتكون من "أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ"، فأصبحوا ممن "لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ"؟ لنتق الله جميعاً في هذه الأمانة العظيمة، ومن خدمنا في دنيانا، فلنرد له فضله وكرمه بشؤون الدنيا، ولنحذر التلاعب في الآخرة!

صوتك أيها الناخب ليس خروفاً، كما أنك لست خروفاً! لست بخروف يسير مع قطيع من الماشية بلا وعي ولا إدراك، يقاد إلى حتفه وهو لا يدري، فلا تعطِ صوتك دون قناعة لمن أرادوك أن تعطيه له، ولا تخش سيوف الحياء التي قد يشهرونها في وجهك، ولا من قبيلتك، ولا عائلتك ولا حتى جماعتك السياسية مادمت غير مقتنع بالمرشح الذي اختاروه، وتذكّر سيف الحق، فمرشحك اليوم لن يكون "نائبا" عنك يوم الحساب، بل كل سيكون نائبا عن نفسه، فأحسن اختيار مرشحك في الدنيا لتكون نائبا جيدا عن نفسك في الآخرة!