بدأ العالم يتحرك وإن ببطء للتعامل مع مشكلة المجاعة والجفاف التي اجتاحت الصومال في الفترة الأخيرة. الأمم المتحدة، وبعد تردد وتلكؤ أعلنت وسط وجنوب الصومال وخصوصا منطقتي باي وشبيلا السفلى وما حولها مناطق منكوبة، وأعلنت عن حملة عالمية للتصدي للجوع.

Ad

 من المتوقع، إن لم يتم تحرك منظم وسريع، أن ينتقل قرابة نصف مليون إنسان إلى الدار الآخرة. كنت قد اكتشفت أن الموت في هذا البلد المنكوب لا يعدو كونه حكاية عابرة تسمعها على قارعة الطريق، حتى كاد الموت العبثي يصبح جزءا طبيعيا من الحياة، ويبدو أنه حتى الكثير من الصوماليين قد أدركوا ذلك، فساهموا هم ودول الجوار وغير الجوار في ممارسة استهتار ملحوظ بالحياة.

لا شك أن الكارثة الإنسانية التي يمر بها الصومال حاليا في حاجة منا جميعاً إلى المساندة والتبرع والإسهام في التخفيف والتقليل من تفاقم الكارثة التي من المقرر أن تطال ملايين البشر في منطقة القرن الإفريقي، إلا أن الأزمة ستستمر بعد انجلاء الغمة، وربما انحسار حالة المجاعة والجفاف، فقد يهتم العالم آنياً بالمأساة الحالية التي يتضرر منها قرابة عشرة ملايين في عدة دول، لكن أحد الأسباب الرئيسية لضعف القدرة وتآكل الإمكانية للتعامل بفعالية مع المأساة هي حالة الاحتراب المستمر في الصومال التي لا يبدو أنها في طريقها إلى الحل، فالمجاعة وتفاقمها هي نتيجة وليست سبباً.

إن الكارثة الحالية التي تمر بها المنطقة قد تكون فرصة جيدة للفت الانتباه إلى كارثة  ضياع البلد بتواطؤ كبير من كل الأطراف المعنية داخل الصومال وخارجه والقوى المتحاربة بغض النظر عن تسمياتها خلال ما يزيد على عشرين سنة مضت، بل إن الضحية الكبرى في هذا الصراع المستمر الذي يشارك فيه دول الجوار والمتحاربون الصوماليون والمجتمع الدولي هي الأطفال، وهكذا فإن الطفل الذي ولد قبل عشرين سنة في هذه المنطقة المنكوبة لم يشهد حياة مستقرة، ولم يذهب إلى مدرسة، ولم تتوافر له أحلام أو آمال، كما الكثير من أطفال العالم، بل شهد الكثير من التدمير لمدرسة شبه مكتملة، وتم تجنيده رغماً عنه حتى في عمر الثمانية للميليشيات ومن يرفض يتعرض للجلد أو لقطع اليد أو حتى للموت. ولأكثر من عشرين عاما تضاءلت فرص الأطفال في الحصول على رعاية صحية أو تعليمية أو حتى الحصول على ماء للشرب كما جاء في تقرير أمنستي الأخير.

بالطبع المجتمع الدولي الأوروبي تحديداً منشغل بحل المشكلة المالية باليونان، وربما مكافحة الإرهاب، فما هي قيمة الصومال في كل ذلك؟ المجتمع الغربي والعربي والعالم الثالثي بانتقائيته المعتادة، مازال غير مدرك أن ترك مأساة الصومال تتفاقم، وإهمالها بل وتغذيتها يمثل مدخلاً أساسياً لاستمرار عدم الاستقرار وانتشار الإرهاب والقرصنة ولا حول ولا قوة إلا بالله.