ثورة السينما... وسينما الثورة (3-4)

نشر في 29-08-2011
آخر تحديث 29-08-2011 | 22:01
 محمد بدر الدين الأفلام المصرية الجادة التي عالجت المرحلة الوطنية (من ثورة 1919 إلى تجليات وأوج الحركة الوطنية في الأربعينيات)، رأيناها في سينما الخمسينيات والستينيات، من إنتاج القطاع العام السينمائي الذي بدأ مع الستينيات وانتهى مع نهايتها.

نلاحظ  أن هذه الأعمال استندت إلى الأدب، ومن ذلك أدب نجيب محفوظ، الذي كتب، قبل ثورة يوليو (في الأربعينيات)، روايات المرحلة الواقعية النقدية من أدبه وتناولت مجتمع ثورة 1919 وما أعقبها من عقود وهي: «القاهرة الجديدة»، «بداية ونهاية»، «خان الخليلي»، «زقاق المدق»، ووصل إلى ذروة هذه المرحلة في ثلاثية: «بين القصرين»، «قصر الشوق»، «السكرية»... وقد قدّمت السينما المصرية هذه الروايات القيّمة في أفلام مهمة في الخمسينيات والستينيات.

كذلك قدّمت السينما المصرية أفلاماً أخرى لافتة عن تلك المرحلة، مقتبسة عن روايات لتوفيق الحكيم (يوميات نائب في الأرياف)، يحيى حقي (البوسطجي)، يوسف إدريس (الحرام، لا وقت للحب عن رواية قصة حب)، إحسان عبد القدوس (في بيتنا رجل، أنا حرة)، يوسف السباعي (ردّ قلبي)...

الحقّ أننا ننظر إلى هذه الأفلام اليوم ـ في مجملها أو في كثير منها ـ باعتبارها كنزاً حقيقياً، خصوصاً إذا نظرنا إلى سينما بعد الستينيات، التي لم تنتبه إلى تلك الحقبات من تاريخنا وقضاياها، ولم تعرها التفاتاً من أي نوع وبأي درجة.

والذين يثيرون لغطاً ـ ومغالطات بلا نهاية ـ حول أن مواقف ثورة يوليو وثقافتها تعتبران أن التاريخ يبدأ ليلة 23 يوليو وما قبلها لا شيء أو «صفر»، عليهم أن يتأملوا هذه الحقيقة الآن: مرحلة ثورة يوليو، خصوصاً الستينيات، هي الوحيدة التي شهدت في سينماها وفنونها اهتماماً وتناولاً جاداً لمراحل ما قبل 23 يوليو، لا سيما بين الثورتين (1919 ـ 1952).

الغريب أو اللافت أن السينما المصرية خلال صعودها في الستينيات، أولت مراحل ما قبل ثورة يوليو اهتماماً، لعلّها لم تعره لمرحلة ثورة يوليو ذاتها، ربما لأن الأخيرة كانت في طور التشكّل والتحوّل.

لم نشاهد عن المعركة المجيدة في عام 1956 ومواجهة الشعب والقائد التاريخية للعدوان  الثلاثي إلا أعمالاً قليلة تناولتها، من بينها: «بورسعيد»  إخراج  عز الدين ذو الفقار، أو لامست تلك المواجهة من دون تناول من بينها: «الباب المفتوح» إخراج بركات عن رواية لطيفة الزيات، «لا تطفئ الشمس» إخراج صلاح أبو سيف عن رواية إحسان عبد القدوس.

لذلك نقول إنه، على عكس الشائع، لم تمجّد ثورة يوليو نفسها من خلال السينما. نعم تحققت إضاءات حول قضايا تهمّها، من تحرير التراب العربي والتوحيد العربي في فيلم «الناصر صلاح الدين»، إلى مؤازرة الثورة الجزائرية في فيلم  «جميلة» وهما من إخراج يوسف شاهين، إلى مناصرة الثورة اليمنية في فيلم «ثورة اليمن» إخراج عاطف سالم... لكننا لا نجد تكريساً أو توجيهاً سينمائياً لتمجيد الثورة المصرية وقيادتها، على غرار ما نجد في سينما وفنون بلدان أخرى وُظّفت  لتمجيد الحكم وتقديس الحاكم  أو ما يُعرف بعبادة الفرد.

بعد نهاية ثورة يوليو، أو بالأحرى انتقالها من السلطة إلى الشارع، مع نهاية الستينيات، لم تتناولها السينما المصرية إلا في استثناءات نادرة، منها وبعد ما يقرب من ربع قرن، فيلم «ناصر 56» إخراج محمد فاضل، تأليف محفوظ  عبد الرحمن، عن القرار التاريخي بتأميم قناة السويس، وربما أيضاً «أبناء الصمت» إخراج محمد راضي عن قصة مجيد طوبيا حول حرب الاستنزاف باعتبارها الطريق إلى حرب أكتوبر 1973 وعُرض الفيلم في أعقابها.

لذلك نقول إن الكنز الحقيقي في السينما المصرية هو الأفلام عن مرحلة ما بين الثورتين (1919 ـ 1952)، التي أنتجها القطاع العام السينمائي أثناء مرحلة ثورة يوليو خصوصاً في الستينيات، ونستطيع أن نطلق عليها: سينما مصر بين الثورتين.

وتبقى وقفة أخيرة أمام سينما بين الثورتين.

back to top