الإخوان قادمون
كانت تلك صيحة أطلقها د. حسن الترابي في محاضرة في مركز شباب الدوحة، ولا ندري ما حقيقتها: هل هي صيحة فزع وتحذير أو صيحة فرح وتبشير؟! فالمفكر الإسلامي الكبير أستاذ في فن المناورة، لكن الزعيم السوداني الكبير حرص على توضيح أن الإسلام القادم على يد الإخوان هذه المرة إسلام مختلف، إسلام وديع ومهذب لا يخيف، ولا يناطح الغرب الذي بدأ يتفاعل مع الإسلاميين ويشرح صدره لهم، وبخاصة أن بعضهم قد تعلم في الغرب وتشرب من الثقافة الديمقراطية، ولا يريد نظاماً سياسياً يقوم على الحكم الواحد. وقال الشيخ الترابي إن المد الإسلامي هو الوحيد الذي يستطيع فرض الشعارات على الشارع العربي، رغم أن الشباب الثائر ليس منتظماً في الحركات الإسلامية، وأشار إلى حركة النهضة في تونس كحزب سياسي منظم يخشاه الكل، ولذلك يريدون تأجيل الانتخابات وهكذا في مصر، وقال إن الأحزاب الاشتراكية اختفت من الساحة العربية، وبدلت أسماءها رغم أنها كانت ترفع بعض الشعارات النبيلة.
لكن الشيخ الذي انتقد التراث الفقهي الموروث بترسيخ طاعة الحاكم، وتحريم الخروج عليه خوف الفتنة حكم على تجربة الإسلاميين في السودان وإيران بالفشل؛ لأنهم ساسوا الناس بالغيبيات ونصبوا سلطة أعلى من السلطة المنتخبة شعبياً، كما اتهم إخوان مصر بالتحايل، إذ أكدوا أنهم لن يرشحوا أحداً منهم للرئاسة، ثم رشح د. عبدالمنعم أبوالفتوح نفسه للمنصب، وهو أحد أعضاء مكتب الإرشاد، لكن الإخوان لجؤوا إلى الخديعة، وقالوا إن أبا الفتوح لا يمثل إلا نفسه. منطلقات الشيخ الترابي معروفة، وهو الشريك السابق في الحكم الإسلامي بالسودان، وانقلب معارضاً للنظام وسجن مرات عدة، نتفق معه في آرائه المتعلقة بالحضور البارز للإسلاميين في الثورات الجديدة؛ كونهم جماعات منظمة قامت بخدمات عديدة، وبخاصة في مصر ضمنت نجاح الثورة، أما أنهم سيكتسحون الساحة في الانتخابات القادمة، ويشكلون حكومات وحدهم، ففيه تفاؤل مبالغ فيه، وأقصى التحليلات لا تتوقع الفوز بأكثر من الثلث، فتذكرنا صيحة الشيخ بصيحة النصر لأحد الإخوان عقب التعديلات الدستورية في مصر قائلاً "الإخوان جايين جايين" فلما انتقدوه قال: كنت "بهزر". على الجانب الآخر هناك من عبروا عن مخاوف حقيقية من وصول الإخوان إلى السلطة، الكاتب مشاري الذايدي أشار إلى اليمن فقال "إذا سقط الرئيس صالح فالبديل هو الإخوان عبر حزبهم التجمع اليمني للإصلاح الذي يشكل العمود الفقري للمعارضة اليمنية، أما في مصر فلا جدال في قيادة الإخوان للميدان السياسي، فهم الطرف الأقوى، وفي حالة التحالف مع العسكر، وأمرهم مجاب ورجالهم يحظون بالفرص الكبرى، وحتى لجنة تعديل الدستور كانوا هم من صبغها بلونهم بداية من رئيس اللجنة طارق البشري ونهاية بالعضو صبحي الصالح. وفي الأردن «الإخوان» هم اللاعب الرئيسي في المعارضة، وفي سورية لا يوجد بديل جاهز غيرهم، وهكذا في السودان وغزة هم سادة المشهد، وينتهي الذايدي إلى القول إن الإخوان يشكلون هلالاً إخوانياً معاكساً للهلال الشيعي بالمعنى الجغرافي، فمن الجنوب اليمني إلى الشمال الشامي تلتقي زوايا الهلال الخميني بالهلال الإخواني لتحاصر السعودية ودول الخليج. في المقابل يرى الإخوان ومناصروهم أن هذه المخاوف لا مبرر لها، وهي نوع من استمرار النهج السابق في التخويف من الإسلاميين عامة ومن الإخوان خاصة، إذ كانت الأنظمة السابقة تتخذ من الإخوان "فزاعة" للشعوب بالداخل وللغرب في الخارج بهدف استدامة تلك الأنظمة وتحصينها أمام ضغوط التغيير والإصلاح، ويضيفون أن النظام المصري السابق كان يبالغ في تخويف الغرب وأميركا بأنه في حالة سقوطه فإن البديل هم الإخوان الذين يسعون إلى تكوين دولة دينية، وأسلمة المجتمع، وتطبيق الحدود واضطهاد المسيحيين والتضييق على المرأة، والإضرار بالمصالح الغربية والأميركية عبر التحالف مع المحور المناوئ لأميركا والغرب. وكان الإخوان على امتداد عقود من الزمن دأبوا على القول إنهم لا يسعون إلى الحكم؛ لأنهم جماعة إسلامية وليسوا حزباً سياسياً، وأن هدفهم الرئيسي تطبيق الشريعة والالتزام بثوابتها في الحكم والاقتصاد والاجتماع، فالسلطة وسيلة وليست هدفاً، وهم على مر العقود الماضية أبدوا استعدادهم للتعاون مع النظام، ولم يناوئوه ولم يستخدموا العنف ضده؛ لأن هدفهم في النهاية أن تكون المرجعية الإسلامية هي الأساس والقاعدة، وذلك بغض النظر عن أنهم هم أوغيرهم في السلطة. وقد اضطروا إلى تشكيل حزب سياسي هو حزب العدالة والتنمية أخيراً، تماشياً مع تطلعات وأهداف الثورة الجديدة، وهو حزب مستقل عن الجماعة الأم ومستوفٍ شروط قيام الأحزاب ومفتوح للجميع، ومهما يكن الأمر، إذا كان 2010 عام تراجع الإسلام السياسي في انتخابات الأردن ومصر والبحرين وفلسطين فإن حركات الإسلام السياسي تعيش اليوم أزهى عصورها. في تصوري أنه لا مبرر في المبالغة من المخاوف المسبقة من سيطرة الإسلاميين، وبخاصة في مصر وتونس، فالشعبان اللذان قاوما النظامين الاستبداديين وأسقطاهما قادران على إسقاط الإسلاميين إذا استبدوا، والشعوب اليوم أصبحت على وعي كبير بحرياتها وليس من السهل خداعها، والإسلاميون وعوا الدرس الطويل بعد حظر وتضييق وتهميش، وإذا كان لهم رصيد جماهيري كونهم ضحايا النظام السابق فإن من الغباء السياسي التفريط به! من حق الحركات الإسلامية التي تتخذ من المرجعية الإسلامية قاعدة للانطلاق بمختلف أطيافها، العمل في المجال السياسي، كما أن من حقهم الوصول إلى السلطة لتطبيق برنامجهم والشعب في النهاية هو الحكم، وليس من حق أحد مصادرة حقهم في العمل العلني، فهم في النهاية تيار وطني لهم ما لغيرهم من التيارات السياسية الأخرى في ممارسة حقوقهم السياسية، وفي تصور مستقبل أفضل لمجتمعاتهم عبر تنافس انتخابي حر ومتكافئ يقرر فيه الناخبون من يعطونه أصواتهم، لكن في المقابل من حق الجماهير ومن حق الأحزاب المنافسة ومن حق النظام القائم، على الإخوان وتيارات الإسلام السياسي، العمل العلني والصراحة والوضوح. على الإخوان نبذ التقية والمناورة، وعليهم إقناع الجماهير والأحزاب المنافسة بأنهم مؤمنون بالديمقراطية كخيار استراتيجي وليس خطوة تكتيكية،وعليهم إثبات مصداقيتهم بأن الديمقراطية لن تكون مجرد وسيلة مواصلات تحملهم إلى محطة السلطة ثم لا تعود!على طريقة "One man , one vote , one time" عليهم كسب ثقة الأحزاب بأنهم لن ينقبلوا على الديمقراطية، ويستبعدوا القوى الأخرى بحجة أنها علمانية ويسارية، وعلى الإخوان نبذ العنف نبذاً مطلقاً وبكل أشكاله وصوره ومبرراته ضد المنافسين السياسيين، إذ لا مجال للقول بعنف غير مشروع وآخر مشروع ضد العلمانيين والشيوعيين بزعم أنهم أعداء النظام الإسلامي، كما كانوا يقولون قديماً أيام التنظيم الخاص حين برروا الاغتيالات السياسية للخصوم بأنهم عقبة في طريق الإخوان. وكمثال على مطالبة «الإخوان» بالعلنية والوضوح، أقول: ما المشكلة في أن يرشح أبوالفتوح نفسه مادام يجد في نفسه الكفاءة؟! وما الحرج في دعم الإخوان له، وإذا كان الإخوان غير راضين عنه فلماذا لم يستقل أو يقال؟! وهب أنه صار رئيساً لمصر... هل يتبرأ الإخوان منه؟! ثم لماذا يصر الإخوان على أن الحزب السياسي الوليد حزب مستقل عنهم، ما المانع أن يكون تابعاً لهم؟ وما العيب في ذلك كما يقول علي سالم في مقالته: "حزب الجماعة الذي ليس حزباً للجماعة"؟!* كاتب قطري