في قراءة متأنية لمقال للأخ الفاضل الدكتور غانم النجار يوم الأربعاء 28/12/2011، رسم فيها ملامح الانتخابات القادمة حيث قال إن "الكويت أخفقت في تحويل الأدوات الديمقراطية إلى إنجازات، فهناك حالة عامة من الفشل، حيث مازالت القوى السياسية تفرح بالجزئيات. فالانتخابات حتى هذه اللحظة تتم على أسس فردية وقبلية وطائفية والمال السياسي هو سيد المواقف السياسية، كما أنه يظن ويعتقد أنه لا يوجد زخم إصلاحي وإحساس بإمكانية التغيير الحقيقي" انتهى. ولست أخفيك أن هذه التشاؤمية من أستاذ أكاديمي ما هي إلا لحظة قلق وتأمل ومشاهدة مستفيضة لأحوال الكويت، فدوره كمواطن متعلم يتعين أن يكون أداة تغيير تساعد في وضع أسس الانتقال من نظام سياسي تقليدي الطابع والممارسة إلى مجتمع حديث له أدواته ومتطلباته ومستلزماته. شاطره الكثيرون من أهل الكويت الخيرين هذا العمل، ومن أجل كويت الغد، فهناك ولعقود طويلة، من الشخصيات الكويتية التي يعجز قلمي هذا عن تسطير مناقبها وأعمالها، أساتذة وشيوخ دين وتجار متنورون وزعامات سياسية أفاضل حملوا شعلة التنوير والتحديث. شعلة أضاؤوها لعقود سالفة في ظلام شديد العتمة. حركوا الساكن في العقل الكويتي ولامسوا المشاعر والأحاسيس، لتنير شباباً ونشاطاً وحراكاً إنسانياً خالصاً. دعني أخي الفاضل أضف مشاهداتي وتأملاتي الخاصة للحراك السياسي في الكويت، علّها تخفف من هذه التشاؤمية وتضفي قبساً لنفسك:  أولاً: انتقل الحراك السياسي في الكويت من دائرة ضيقة حدودها الطبقة التجارية والمتعلمة في بداياتها إلى حراك أشمل وأعم احتوى في مضمونه كل أطياف المجتمع الكويتي وبنسبة كبيرة بمن فيهم في الآونة الأخيرة النساء.  ثانياً: الحراك الذهني المتزايد لدى الناس والمتراكم في أشكاله وصنوفه، فها نحن نرى بين الخاصة والعامة ألا حدود للمناقشات الفكرية ولا خطوط حمراء لا يتجاوزها المجتمع. فهناك معرفة واسعة واهتمام بأهمية الديمقراطية والعمل الجماعي، هذا الحراك الذهني والفكري تعدى وتجاوز الكويت وحدودها الجغرافية ليفيض بعداً إنسانياً جديداً على بقية الأقاليم الخليجية الأخرى، وليخلق حراكاً سياسياً ما كان ليكون لولا هذا الحراك الكويتي. ثالثاً: محركات الإصلاح والحراك السياسي التي كانت القيادات السياسية التقليدية تقودها وتوجهها أضحت تقاد من الحراك الشبابي المتفاعل، مستخدمين بذلك أدوات التواصل الاجتماعي المختلفة من طرح ومناقشة وتحليل ونقد يدل على عمق الاهتمام وروح المسؤولية المجتمعية. رابعاً: التغيرات السلوكية السياسية، وإن كانت بطيئة لبعض الفئات والشرائح القبلية، حيث أضحت لديهم توجهاتهم وأفكارهم المتماشية مع الأنساق السياسية الحديثة والمنفصلة عن التوجه التقليدي للقبيلة. هذا واضح وجلي لمدى الالتزام بتوجهات القبائل وعمليات الانفكاك عنها. خامساً: كل حراك أو إصلاح سياسي له مداه ولحظة وصوله إلى أهدافه وغاياته، وهي مرتبطة بعوامل ومتغيرات دافعة، وأخرى رافضة، فقوة وإمكانات الأطراف المتنازعة هي المحدد الحقيقي لزمن ولحظة التغيير السياسيين، فمن الصعوبة بمكان التنبؤ بلحظتها ورجالها، فالحراك سيل من الأحداث المتعاقبة، فكل حدث لابد أن يعزز سابقه ليثبت لاحقه حتى يتأطر الإصلاح المنشود. فقادة الثورة البلشفية وعلى رأسهم لينين عندما بشروا بأفكار إصلاحاتهم الاشتراكية ضد القيصرية الروسية وضعوا نصب أعينهم أن زمن التغيير لا محالة آتِ، ولكنه سيأتي مع الأجيال التي تليهم. فهم لم يضعوا في حساباتهم أنها قادمة في عهدهم وزمانهم ذاك، أخي العزيز إنك قد زرعت، ومثلك آخرون، قد زرعوا بذور الحراك والإصلاح السياسيين، فلا تهن ولا تيأس، طال الزمان أو قصر، سيأتي من يقول لكم "إنا له لحاصدون".
Ad