إذا استحضرنا ظروف نشأة مجلس التعاون الخليجي قبل 30 عاماً في قمة أبوظبي مايو 1981، إذ استضاف المغفور له الشيخ زايد إخوانه قادة الخليج، وترأس ذلك الاجتماع التاريخي الذي انبثق عنه مجلس التعاون، فإننا نجد أن تلك الظروف كانت تحتم قيام المجلس طبقاً لعبدالله بشارة في يومياته 1981– 1993.

Ad

يكشف بشارة أهم دوافع التأسيس فيما يأتي:

1- بروز الدور العراقي إثر تراجع الدور المصري وانكفائه بعد كامب ديفيد 1978 واهتزاز النظام العربي؛ ليمارس العراق دوراً استفزازياً لدول الخليج، ولينشط ويدعم حركات المعارضة اليسارية والبعثية والقومية في المنطقة.

صور بشارة أجواء قمة بغداد 1980 بأنها كانت "أجواء كريهة موجهة ضد دول الخليج لدفعها نحو قبول القرارات التي تريدها بغداد، وتعرضت الوفود الخليجية لمعاملة سيئة فيها ترهيب وتهديد، وأرسلت إلى غرفهم أوراق تحمل عبارات الانتقام في حالة التساهل، غير ممارسة أساليب الابتزاز؛ مما دفع الوفد العماني إلى إلغاء مشاركته، وسيطرت على المؤتمر عمليات التجسس دون اعتبار لكرامة قادة الخليج ومكانتهم".

ويضيف "أعتقد أن المبادرة نحو قيام كيان خليجي يوفر لدوله اتخاذ مواقف موحدة جاءت من استياء تولد مع قادة الخليج من هذه الأساليب غير الأخلاقية؛ لتأمين موافقتهم على الخطة التي وضعتها بغداد ضد مصر".

2- سقوط نظام الشاه وتفرغ إيران لسياسة تصدير الثورة.

3- التمرد الظفاري اليساري المدعوم من التحالف الثلاثي: اليمن، ليبيا، أثيوبيا. 4- إحاطة دول التعاون بتحالفات أيديولوجية معادية من الشرق والغرب والجنوب. 5- الحرب العراقية الإيرانية 1980 وتداعياتها على الأمن الخليجي، بل على حدوده الجغرافية المتوارثة.

6- التغيرات الدولية إثر غزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان والنزعة التوسعية لموسكو.

هذه العوامل هي التي حتمت قيام مجلس التعاون وفيه تم حماية وصيانة الجسم الخليجي تجاه آفات مهلكة: غزو الفكر القومي الثوري المغامر، الطرح الأيديولوجي اليساري المدمر، شعارات الإسلام السياسي الحالم.

لقد استشعر الآباء المؤسسون قبل 30 عاماً حجم المخاطر المحدقة وشدة الأطماع الأقليمية والدولية في موارد الخليج فكانت إرادتهم الإجماعية ضرورة قيام كيان خليجي متعاون يكون عاصماً للخليج أمام الرياح الهوجاء، وهكذا استطاع القادة بحنكتهم وحكمتهم قيادة سفينة التعاون في بحر لجي متلاطم الأمواج ووسط رياح هوجاء إلى بر الأمان.

وحققوا ما سماه بشارة في مقالة نشرت في العربي "الخليج هو الجزء السليم الصحي في الجسم العربي"، وهو مقولة تبدو صحيحة مقارنة بالأوضاع العربية المضطربة حول الخليج، ولكن إلى متى تصمد هذه المقولة، أمام تحديات الداخل ومخاطر الخارج؟

نعم الخليج اليوم هو الواحة الآمنة المستقرة يأتيها رزقها رغداً وينعم أهلها بمباهج الطاقة، وأحدث منجزات الحضارة، وكل ما حولها مضطرب ومقلق ومتدهور، ولكن ما ضمانات الحفاظ على المكاسب الخليجية في هذا العالم المضطرب؟ هناك اليوم قلق عميق في الساحة مصدره عوامل مهددة للأمن داخلياً وخارجياً، في الداخل هناك مهددات تتطلب تأميناً للجبهة الداخلية عبر إصلاحات شاملة سياسية واقتصادية واجتماعية، وفي الخارج هناك جارنا وشريكنا المسلم على الضفة الأخرى الذي اختار سياسة متهورة تعرض الأمن الخليجي للمخاطر.

وهو إذ لا يكف عن تهديدنا كل يوم يسعى جاهداً ولو على حساب تجويع شعبه وإهدار كرامته وقمع حرياته في بناء ترسانة عسكرية تعد الأضخم في المنطقة، فضلاً عن تحدي المجتمع الدولي عبر برنامجه النووي الذي جلب التدخلات الخارجية إلى المنطقة، وكلما ضاق الخناق عليه صعد وتوعد دول التعاون غير تدخلاته في الشأن الداخلي لدول مجلس التعاون عبر تأجيج "الطائفية" وتوظيفها لأجندته، وهناك خطر التسرب النووي والكارثة الكبرى في تلوث الخليج بسبب وقوع مفاعل إيران على خط الزلازل واعتماد التقنية الروسية غير الآمنة.

وفي الشمال نجد الشقيق العراقي منغمساً في أوضاعه المضطربة لا يكاد يأمن أو يستقر، وهو خاضع اليوم للرياح الآتية من دولة الولي الفقيه، وفي الجنوب شقيقنا اليمني المبتلى بالقات والمنكوب بأوضاع متردية تشكل تهديداً للأمن الخليجي، إضافة إلى كل ذلك هناك التداعيات الناتجة عن زلزال الربيع العربي الذي أفرز قوى أيديولوجية صاعدة هيمنت على حكومات وبرلمانات، وهي تحمل رؤى مغايرة تجاه الخليج ونظامه وأهله، وبعض تياراتها منبهرة بالنموذج الإيراني، وقد تنشئ تحالفات أمنية معه، ولا أدل من دفاع رموز إخوانية عن التمدد الإيراني في المنطقة رداً على تصريحات فضيلة الشيخ القرضاوي عما سماه "الغزو الشيعي".

وقد صرح المرشد العام عاكف لجريدة "النهار" في ذلك الوقت "أؤيد برنامج إيران النووي حتى لو كان بغرض إنتاج قنبلة نووية"، وهناك اليوم متغير جديد، وهو أن الحليف الاستراتيجي التاريخي للخليج "أميركا" في حالة تراجع وانسحاب ولملمة للقوات والعتاد والقواعد، وتبدو ثقة الخليجيين به مهزوزة، وبخاصة بعد أحداث البحرين! يضاف إلى كل ذلك عامل جديد هو: انكفاء الدور المصري وانشغاله والدول العربية المركزية بترتيب الأوضاع الداخلية، وبروز الأدوار الإقليمية: التركي والإيراني والإسرائيلي والغربي والأميركي، وكلها تسعى إلى ملء "الفراغ السياسي والأمني" العربي، مما يجد الخليج نفسه- انطلاقاً من مسؤولياته الوطنية والقومية والدينية– مضطراً للقيام بدور إقليمي لحماية المصالح الخليجية والعربية العليا معاً بموازاة الأدوار الفاعلة الأخرى، وبهدف تأمين الجبهة الداخلية للخليج وللمنطفة العربية. في تصوري ولا أجزم بذلك، أن هذه العوامل أو بعضها قد تكون منطلق دعوة خادم الحرمين الشريفين في القمة الخليجية 32 للانتقال من التعاون إلى الاتحاد، وتجاوباً معها وبهدف تقديم رؤى تساهم في بلورة الأفكار المطروحة قام قطاع الشؤون السياسية بالأمانة العامة للتعاون بتنظيم ورشة عمل حول "خيارات الانتقال من التعاون إلى الاتحاد"، الرياض 24 و25 فبراير دعا إليها مجموعة من الأكاديميين المتخصصين لاستطلاع رؤاهم ومقترحاتهم عبر محاور ثلاثة: استعراض بعض تجارب الاتحاد الفدرالي والكونفدرالي، أسباب وظروف الدعوة للاتحاد، الصيغ الملائمة للحالة الخليجية، وكان ما تقدم ورقة عمل عرضتها في هذا اللقاء الحيوي المثمر.

وأما انطباعاتي حول مواقف المشاركين من الدعوة إلى الاتحاد فإن المثقفين الخليجيين ومهما تجردوا وتحروا الاستقلالية والموضوعية فإنهم في النهاية يعكسون مواقف دولهم ومجتمعاتهم.

وهكذا رصدت وقد أكون مخطئاً ثلاثة مواقف: هناك حماسة قوية لدى المثقفين من البحرين والسعودية، وحماسة أقل لدى مثقفي الكويت والإمارات وقطر، وحماسة مترددة لدى العمانيين، ولكن كان هناك توافق عام على أن الصيغة التعاونية التي تعد أضعف الصيغ في العلاقات، قد استنفدت أغراضها ولم تعد ملائمة لهذه المرحلة التاريخية. ولا بد للخليج أن يعتمد على نفسه في حماية أمنه ومصالحه عبر الانتقال إلى صيغة اتحادية قادرة على الوفاء بمتطلبات المرحلة، انطلاقاً من أن هذه الصيغة قادرة على حماية المصالح الخليجية وردع التهديدات، كما أنها كفيلة بتحصين أمننا الوطني والإقليمي فضلاً عن أن الكيان الخليجي الموحد يشكل وزناً وثقلاً دولياً أكبر.

هناك بطبيعة الحال عقبات ومخاوف ومحاذير عبر عنها الحضور، فهناك من رأى في تحقيق العوامل الموضوعية شرطاً مسبقاً لضمان ولادة اتحاد سليم حتى لا يولد خديجاً، وهناك من رأى في عدم تماثل التطور الديمقراطي بين أقطار المجلس عاملاً معوقاً، وهناك من تخوف من طغيان الكبير على الصغير، وهناك من أشار إلى العامل الدولي معوقاً. وفي تصوري أن كل هذه المحاذير والمخاوف لا تشكل عقبة حقيقية، وهؤلاء الذين يتحسسون من الصيغة الاتحادية ويريدون اتحاداً بشروط وتصورات مسبقة فإن انتظارهم يطول، إذ لو انتظرنا حتى نستوفي الشروط فلن يولد الاتحاد أبداً.

لنبدأ بالممكن والمتاح وهو الكونفدرالية ولو بين دولتين، ثم تلحق بهما بقية دول التعاون كل بحسب ظروفها، لنتحد فيما يمكن الاتحاد فيه ولنبق على الصيغة التعاونية فيما لم نتفق فيه، هناك أمور ينبغي أن نسرع فيها وأمور يمكن السير فيها بسرعة أبطأ، لنبدأ كما قال عبدالخالق عبدالله من الإمارات بأبسط شيء وهو تغيير الاسم، لنعلن الاتحاد ولو اسمياً، فذلك يحمل دلالات رمزية كبيرة وسيكون له فعل السحر في المنطقة.

* كاتب قطري