لو اقتصر الأمر فقط على ما طرحه ساركوزي وعلى مبادرة اللجنة الرباعية التي تضمنت الدعوة لمفاوضات، وصفها توني بلير بأنها ستكون مختلفة هذه المرة، تبدأ باتفاق الفلسطينيين والإسرائيليين في غضون شهر على جدول أعمال تفاوضي يكون ملزماً بالتوصل إلى اتفاق سلام في موعد لا يتجاوز نهاية عام 2012، لكانت خطوة «أبو مازن» بالذهاب إلى الأمم المتحدة ضرورية وناجحة، وبخاصة أن العالم ينشغل باهتمامات وهموم غير انشغالات وهموم السلام في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية.

Ad

كان لابد من أن يلقي «أبو مازن» بهذا الحجر في هذه البركة الراكدة، وكان لابد من أن يحرج العالم وفي طليعته أميركا والاتحاد الأوروبي بالطلب الذي تقدم به عبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى مجلس الأمن الدولي لانضمام فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة.

إنها معركة ضرورية، وأصبح لابد منها، وكان على الشعب الفلسطيني أن يخوضها، ولعل ما يؤكد نجاح إلقاء هذا الحجر في هذه البركة الراكدة أن الولايات المتحدة الذاهبة إلى استحقاق انتخابات الرئاسة الثانية للرئيس باراك أوباما قد شعرت كم أن هذه الخطوة التي أقدم عليها الرئيس الفلسطيني قد وضعتها في الدائرة الحرجة، وكم عليها أن تسارع للاستنجاد بأوروبا وباللجنة الرباعية لإخراجها من هذا المأزق الذي أصبحت فيه، وهذا هو ما حصل بالفعل، حيث طرح ساركوزي مبادرته الإنقاذية وطرحت «الرباعية» المبادرة المرفقة بجدول زمني، التي قال عنها توني بلير إن المفاوضات التي تقترحها ستكون مختلفة عن كل المفاوضات السابقة.

ولهذا، فإنه لابد من التساؤل، ردّاً على أصحاب المواقف العدمية الذين اعترضوا على خطوة «أبو مازن» بمبررات لا تقنع حتى أصحاب أنصاف العقول، عما إذا كان من الأفضل يا ترى للقضية الفلسطينية لو أن الرئيس الفلسطيني لم يقم بما قام به، ولو أنه بقي في رام الله يتابع وقائع اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة عبر شاشات الفضائيات العربية والعالمية أو اختار الاختباء في عاصمة عربية محاصرة بصيحات شعبها الثائر واكتفى من هناك بشتم العدو الصهيوني والإمبريالية الأميركية.

لم يقل «أبو مازن» في اجتماع القيادة الفلسطينية في رام الله، الذي أعلن فيه عزمه على الذهاب إلى مجلس الأمن بطلب الاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة وعلى حدود الرابع من حزيران عام 1967، إنه سيعود من نيويورك بالاستقلال بل قال إنها مجرد خطوة، وإن هناك صعوبات كثيرة تنتظر هذه الخطوة، وحقيقة فإن هذه الخطوة كانت ضرورية وكانت موفقة، فمجلس الأمن عندما يجتمع اليوم الاثنين للنظر في الطلب الفلسطيني سيكون اجتماعه بداية طريق سيؤدي، ولو بعد حين، إلى ما طلبه رئيس منظمة التحرير ورئيس السلطة الوطنية.

إنها خطوة موفقة، ولكنها تحتاج إلى متابعة من قِبَل القيادة الفلسطينية أولاً، ثم من قبل العرب كلهم، والمفترض أن تستخدم الدول العربية التي لديها القدرة للضغط على الأميركيين كل إمكاناتها لإفهام الولايات المتحدة أن «زمن أوَّل حوَّل» وأن التغييرات التي تعصف بالشرق الأوسط سوف تضع مصالحها في هذه المنطقة في دائرة الخطر إن هي بقيت تنحاز إلى الاحتلال الإسرائيلي كل هذا الانحياز، وإن هي بقيت تفعل كل ما يريده بنيامين نتنياهو ومجموعته اليمينية المتطرفة.