هوس العبقرية

نشر في 01-08-2011
آخر تحديث 01-08-2011 | 22:01
 فوزية شويش السالم الكل يعرف العالمة ماري كوري أو قرأ عنها أو درسها في المنهج الدراسي الذي يضعها كعالمة من العلماء الذين كان لهم دور وفضل كبير في تطور حضارة عالمنا هذا، لكنّ قليلين هم الذين عرفوا قدر وأهمية هذه العالمة الفذة، والمرأة العظيمة التي غيرت مسار البشرية وأفادت العالم بشكل ليس له نظير، وأنا واحدة من هؤلاء الذين لم يطلعوا على تفاصيل حياتها رغم أنني من الذين استفادوا من اكتشافها لمادة الرادون المفيدة للصحة.

ومتأخرا قرأت سيرة حياتها في كتاب «هوس العبقرية» الصادر عن دار منشورات العين، وهذا الكتاب طرح الحياة السرية لماري كوري مستقي الأحداث من سيرتها التي كتبتها في مذكراتها.

هذه المرأة كانت أول سيدة تحصل على درجة علمية في الفيزياء من جامعة السوربون، وفي السنة التالية حصلت على درجة علمية ثانية في الرياضيات، وكانت أول سيدة تحصل على منصب أستاذ في السوربون، وأول سيدة تحصل على جائزة نوبل مرتين، المرة الأولى كانت في الفيزياء لاكتشافها مع زوجها ظاهرة النشاط الإشعاعي، أما المرة الثانية فقد نالتها في الكيمياء لفصلها لعنصري البولنيوم والراديوم، وهي أيضا أول سيدة يتم انتخابها في الأكاديمية الفرنسية للطب.

كل هذه المناصب حصلت عليها في الوقت الذي كانت فيه المرأة مهمشة ليس لها أي دور إلا دور الأم الحاضنة والزوجة التي تقوم برعاية أسرتها، وكان الكتاب الأكثر تداولا في ذلك الوقت هو «الضعف العقلي الفسيولوجي عند المرأة»، وان وظيفة المرأة هي الجنس والإنجاب، لهذا كانت ماري كوري تعاني الازدراء وعدم الاعتراف بها كعالمة لها حضور يوازي حضور الرجال بل يتفوق عليهم.

والغريب بعض من النساء أيضا كن ضدها لأنها تهدد أنوثتهن، فقد كتبت الكاتبة ذات النفوذ جوليا دوديه (العلم عادة ليس للنساء) كما كتبت الممثلة المشهورة مدام ماريا ريجينير في صحيفة الفيجارو (يجب ألا يحاول المرء أن يجعل المرأة مساوية للرجل)، وهذا الكلام كُتب في عام 1911 من نساء كتبن ضد جنسهن، وهو الأمر الذي فعلته محامية كويتية ضد بنات جنسها تريد استيراد جوار لمتعة الرجال، والفرق بينها وبينهن هو قرن من الحضارة الإنسانية.

لكن ماري كوري لم تُهزم ولم تستسلم لعالم يتسيده الرجال، فقد فرضت حضورها حتى نالت كامل الاعتراف بها، واستطاعت أن ُتكسب المرأة حقوقا قوية لم يكن معترفا بها.

الجميل في الكتاب أنه يكشف عن ولع ماري كوري وزوجها وشغفهما الحاد بعملهما واكتشافاتهما لدرجة أنستهما خطورة المادة الإشعاعية، حبهما لها حجب عنهما خطورتها ولم يريا الراديوم بالعين العلمية الباردة التي كانا يرى كل منهما بها أعمالهما السابقة، لدرجة أنهما احتفظا بأنبوبة ملح الراديوم بجانب سريرهما حتى يشاهدا توهجها الجميل قبل نومهما، وكانت ماري كوري تسمي الراديوم «طفلي»، وقد كتبت في مذكراتها «إنني من هؤلاء الذين يعتقدون أن في العلم جمالا رائعا، وان العالم في معمله ليس مجرد فني، بل إنه أيضا طفل وُضع أمام خاصية طبيعية أذهلته مثل قصة خيالية، ويجب ألا نسمح بالاعتقاد أن كل التقدم العلمي يمكن أن يختزل لمجرد آلية، ولا أعتقد أن روح المغامرة ستختفي في عالمنا».

واللافت للنظر أن حياتها كانت تدور في وسط علمي عبقري مبدع من الجميع، فجدها عالم ووالدها عالم فيزياء، وهي عالمة حصلت على جائزة نوبل مرتين، وكذلك زوجها نال جائزة نوبل، وأيضا ابنتها كورين عالمة أيضا، وأيضا زوج كورين حصل على نوبل، كما نالها زوج ابنتها الثانية، وكذلك نال الجائزة جميع أصدقائها.

حياتهم تدور حول الاختراعات والاكتشافات المذهلة، وهو وسط للصداقة وللنسب وفرصة عظيمة للحصول على عبقرية جينية ليس لها مثيل.

الشيء الآخر أن الناس وقتئذ كانوا مأخوذين باكتشاف مادة الراديوم لدرجة أنه أصبح المادة المفضلة لدى الطبقة الراقية، فكانوا يحملون في جيوبهم أو في خواتمهم قوارير زجاجية تحتوي على حبيبات من بروميد الراديوم حتى وصل سعر الغرام منه سنة 1904 إلى 750000 فرنك ذهبي، أي 110710 دولارات أميركية بسعر اليوم.

«هوس العبقرية» كتاب رائع يكشف عن أدق الأسرار في حياة ماري كوري وكل تفاصيلها وطرق اكتشافاتها العلمية.

back to top