من المسؤول عما يحدث في مصر الآن؟ ومن المسؤول عن ظهور خلافات بين أفراد الشعب والقوى الثورية؟ ومن المسؤول عن ظهور خلافات بين بعض القوى الثورية؟ ومن المسؤول عن نقص الإنتاج وهبوط البورصة؟

Ad

لو حاولنا الإجابة بهدوء ومعرفة المسؤول عن كل هذا لوجدنا أن جميع الخيوط تنتهي في نقطة واحدة، وكل الأصابع تشير إلى جهة واحدة، وهي المجلس العسكري! نعم المجلس العسكري هو المسؤول، فهو صاحب القرار، وهو المفوض من قبل الشعب والثورة بإدارة شؤون البلاد، لذلك فالعجب كل العجب من موقف المجلس العسكري الذي كانت نتيجته الطبيعية حدوث كل هذا، لقد كان بالإمكان وبسهولة كبيرة تجنب كل ذلك لو استمع المجلس إلى صوت العقل وصرخة الشعب ونبض الثورة.

منذ 11 فبراير والشعب كله بجميع طوائفه وأشكاله المسلم والمسيحي والملحد... الليبرالي والراديكالي... يطالبون بمطلب واحد هو محاكمة مبارك، وكان من السهل على المجلس العسكري المحافظة على وحدة الشعب والثورة لو استجاب لهذا الطلب.

ولكنه للأسف ظل على عناده ورفضه للإجماع الشعبي وأخذ يماطل ويسوف؛ تارة بدعوى استكمال التحقيقات، وأخرى للحالة الصحية للرئيس المخلوع، وثالثة بحثا عن مكان للمحاكمة– ضاقت مصر ذات المليون كيلو متر مربع بمكان يتسع لألف شخص!!- وكلما ازدادت مماطلة المجلس العسكري وتسويفه ازداد ضيق الشعب وتبرمه وبدأت الخلافات تدب بين أفراده.

إن أصدق وصف لموقف المجلس العسكري ما عبرت به فلاحة مصرية بموروثها الثقافي الشعبي؛ حين وصفته قائلة "اللي مالهاش غرض تعجن تقعد 6 شهور تنخل"، ولمن لا يعرف اللهجة المصرية: فالعجن هو خلط الدقيق بالماء والخميرة لإعداد الخبز. والنخل هو تنقية الدقيق من الشوائب باستخدام المنخل*، والمعنى أن السيدة التي لا تريد إتمام عملية العجين تتحجج بأن الدقيق غير نظيف لتواصل نخله.

***

سوبر دستور: أنت لا تعرف شيئا... إن المبادئ الحاكمة للدستور موجودة في دول كثيرة. هكذا يجيب البعض عند سؤالهم عن تلك المبادئ، وإذا سألت ولكن لماذا؟ لا يجد الكثيرون ردا، وهذا أمر غريب، فهل وجود هذه المبادئ في بعض الدول– كما يقولون- مبرر لوجودها في مصر؟ وما الداعي؟

إن وجود مبادئ حاكمة أو فوق دستورية أو تعلو الدستور– أيا كان مسماها- تعني بدهيا وجود عيب أو قصور في الدستور، وجاءت هذه المبادئ لتصحح هذا العيب وتتلافى القصور، وإن كان هذا مقبولا في دستور قائم فكيف نقبله في دستور جديد ومازال في طور الإعداد؟ فلماذا يا سادة تضعون دستورا منقوصا ومعيبا ثم تأتون بمواد حاكمة لتصحح هذه العيوب؟ ولماذا لا يتضمن الدستور ذاته كل هذه المواد وننهي هذه الكوميديا التي لا تضحك أحدا؟

النقطة الثانية: كل دستور– كما هو معروف- فيه آلية لتعديل مواده، وغالبا ما تكون عن طريق الشعب من خلال نوابه، ولكن هذه المبادئ فوق الدستورية كيف يمكن تعديلها؟ سيجيب البعض أنها موضوعة أصلا كي لا تعدل، وهنا نسأل وما ذنب الأجيال القادمة؟ ومن أعطى هؤلاء الوصاية عليهم ليلزموهم بأحكام قد لا يوافقون عليها؟ وماذا لو أراد الجيل القادم أو من يليه تغييرها؟ وكيف يمكنه ذلك؟ هل يقوم بثورة؟! وهل الديمقراطية تسمح لكم بالوصاية على الجيل الحالي والأجيال القادمة؟ والأهم لماذا لا يكون الدستور القادم "سوبر" في ذاته ولا يحتاج إلى "سوبر خارجي"؟!

* المنخل: إطار دائري من الخشب مثبت فيه قطعة من الحرير أو السلك الرقيق يوضع فيه الدقيق، ويتم هزه باستمرار للتخلص من الشوائب.