كانت كلمة المحكمة الدستورية حاسمة وفاصلة في كل تفسير لنص دستوري، قدم طلب بتفسيره، سواء كان تقديم الطلب من مجلس الأمة أو من الحكومة، وكان الحرص كاملاً من الاثنين على الالتزام بتفسير المحكمة دون أدنى مناقشة في قاعة عبدالله السالم.

Ad

كانت كل قرارات المحكمة في تفسير النصوص الدستورية تجد دائماً ترحيباً من الجميع، بل احتراماً من كل من كان مختلفاً مع المحكمة في تفسيرها، بل لعل أكثر النصوص الدستورية التي أثارت خلافاً حولها، هو نص الدستور الذي أثار خلافاً حول صحة انتخاب الرئيس الأسبق أحمد السعدون، في جلسة مجلس الأمة المعقودة بتاريخ 20/10/1996 بعد فرز الأصوات، حصول النائب أحمد السعدون على 30 صوتا، وحصول النائب جاسم محمد الخرافي على 29 صوتا، وورقة بيضاء، حيث كان الحضور (30)، وعندها أعلن رئيس السن فوز النائب أحمد السعدون برئاسة مجلس الأمة للفصل التشريعي الثامن. كان النص الدستوري- محل التفسير، والنصوص الدستورية الأخرى المرتبطة به، وما ارتبط بها من نصوص في اللائحة الداخلية، والتي تحكم انتخابات الرئاسة، مثار جدل دستوري، شارك فيه نخبة من الفقهاء الدستوريين في الكويت وفي مصر، بأبحاثهم التي قدموها، ومثار جدل سياسي، يكاد يكون قد شارك فيه كل أعضاء مجلس الأمة في جلسة طويلة ساخنة، استمرت من صباح الثلاثاء 19 نوفمبر سنة 1996 إلى الساعة الحادية عشرة مساءً، عقب الرسالة التي قدمها النائب جاسم محمد الخرافي بتاريخ 3/11/1996 بعدم حصول النائب أحمد السعدون على الأغلبية المطلقة للأصوات التي تؤهله لرئاسة المجلس، حيث قرر المجلس في نهاية الاجتماع الموافقة على الاقتراح المقدم من بعض الأعضاء الذين بلغ عددهم 36 عضوا بإحالة طلب تفسير المادة (92) من الدستور إلى المحكمة الدستورية لبيان وجه الحقيقة في المقصود بالأغلبية المطلقة في حكم هذه المادة.

تفسير المحكمة الدستورية

وأصدرت المحكمة الدستورية بجلستها المعقودة بتاريخ 8/1/1997 تفسيراً لنص المادة (92) من الدستور والنصوص المرتبطة بها والتي قررت فيها أن الأغلبية المطلقة تعني أكثر من نصف الأصوات الصحيحة، أياً كان قدر هذه الزيادة، وأن من حصل على 30 صوتا من أصل 59 صوتا قد توافرت له الأغلبية المطلقة، ليصبح رئيساً للمجلس.

وعندما بدأ المجلس في نظر البند الخاص بهذه الرسالة، كان هناك 19 مسجلا، من بينهم النائب جاسم محمد الخرافي الكلمة، حيث دار الحوار التالي بين رئيس المجلس وقتئذ أحمد السعدون وبين النائب جاسم محمد الخرافي عندما طلب الأخير الكلمة، فأجابه بالتالي:

الرئيس: لدي أيها الإخوة حوالي 19 مسجلا على هذا البند لم يسبق في المجلس أن تم التعقيب على الأحكام والقرارات القضائية.

السيد جاسم الخرافي: الأخ الرئيس.

السيد الرئيس: أخوي جاسم سآخذ رأي المجلس أولاً، إلا إذا فيه حديث أيضاً كنا نثير الموضوع، سآخذ رأي المجلس أولاً في الاكتفاء بتثبيت قرار المحكمة الدستورية بالمضبطة يمكن يثبت معه أيضاً طلب التفسير وجميع مرفقاته حتى تكون الصورة مكتملة، إذا المجلس وافق على ذلك سأنتقل إلى الفقرة التالية، ما أدري الأخ جاسم إذن سآخذ رأي المجلس أولاً إذا وافق المجلس على ذلك، الموافق رجاء يرفع إيده، الموافق رجاء يرفع يده، جاسم فيه حديث إذا تكلم عن النظام فأنا أقبل.

السيد جاسم الخرافي: نقطة نظام أخ.

السيد الرئيس: خلاص انتهى، إذا سمحت على التعليق سيسمح للتعليق لكل واحد، الأخ وزير العدل يقول يشترط ألا تمس، أنا أقول حتى لا تمدح، فلذلك الحديث أنا عندي مسجلين وأنت لست أول المسجلين.

جاسم الخرافي: يعني حنتكلم.

الرئيس: لا ما في سآخذ موافقة المجلس بناء على طلب الأخ وزير العدل بالاكتفاء وفقاً للسوابق الماضية بتثبيت قرار المحكمة بالإضافة إليه طلب التفسير وجميع المرفقات حتى تكون الصورة واضحة، موافقة؟.

(موافقة عامة)

(أثبتت المرفقات المقدمة من مجلس الأمة إلى المحكمة الدستورية بشأن طلب تفسير المادة (92) من الدستور وما يرتبط بها من مواد أخرى في الدستور واللائحة الداخلية للمجلس في شأن انتخابات رئيس المجلس.

السيد الرئيس: موافقة، ننتقل إلى الفقرة التالية:

السيد جاسم الخرافي: الأخ الرئيس.

السيد الرئيس: تفضل الأخ جاسم.

السيد جاسم الخرافي: مع كل تقديري واحترامي لقرار المجلس هل يسمح لي الإخوان؟ أو هل تستثنيني الرئاسة فقط كلمة بعيدة كل البعد عن.

السيد الرئيس: الأخ جاسم أرجوك أني أرد عليك كرئيس أيضاً الآن حتى يمكن أتخلى عن كرسيي.

السيد جاسم الخرافي: نعم.

السيد الرئيس: إذا قلت كلمة في هذا الموضوع فلي كلام مطول فيه فرجاء إذا بتفتحون الموضوع أنا مستعد حول هذا الموضوع.

السيد جاسم الخرافي: والله تكلم.

السيد الرئيس: أنا أرجوك أنا احتراماً للحكم القضائي، شكراً الفقرة التالية.

وكان قفل باب النقاش حول الموضوع قراراً حكيماً من مجلس الأمة، كما كان كذلك الاقتراح المقدم من وزير العدل المشار إليه وكذلك موقف الرئاسة، ذلك أن أحكام وقرارات القضاء لا يجوز أن تكون موضوع جدل سياسي في ساحة سياسية، يتمتع فيها النواب بحصانة برلمانية تمنع مؤاخذاتهم على كل ما يبدون من آراء بالمجلس إعمالاً لنص المادة 110 من الدستور التي تنص على أن عضو مجلس الأمة حر فيما يبديه من الآراء والأفكار بالمجلس أو لجانه، ولا تجوز مؤاخذته عن ذلك بحال من الأحوال.

وهو ما حرصت الرئاسة، وحرص وزير العدل معها على تجنب ذلك، نأياً بالولوج في التعليق على قرار المحكمة الدستورية، في مسالك السياسة ودروبها، بما يوقع السلطة التشريعية في مزالق دستورية، أخصها إهدار مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء.

وهو ما نعتقد أنه سوف يكون حرص الرئاسة والمجلس عند نظر البند الخاص برسالة رئيس المحكمة الدستورية المرفق بها قرار المحكمة الدستورية الصادر في 20/10/2011.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.