سرقات صغيرة للمحبة!
لا أظن أن كاتباً يكتب لنفسه، وإذا كان هناك قلة قليلة من عشاق الفن والأدب، قد أخلصوا لإيمانهم بالكلمة، ومشوا على طريق "الفن للفن"، فإن الغالبية الأكبر من الكتّاب والفنانين، على مر التاريخ، كانوا على وصل واتصال وتفاعل مع الآخر المتلقي، المستمع والمشاهد والقارئ والناقد. وإن صدى أعمال الأدباء والفنانين لدى مختلف شرائح المتلقين، ظل يشكّل مصدر فرح ونقاش وتأمل بالنسبة لهم، وربما حمّلهم مزيداً من المسؤولية، لكتابة أعمال جديدة يطمحون بوصولها الى جمهور أوسع من القراء.بمبادرة كريمة من مكتبة "آفاق"، انعقد يوم الأربعاء الماضي، حفل توقيع مجموعتي القصصية الأخيرة "سرقات صغيرة"، وإذا كان قدر المتع الإنسانية الراعشة، أن تمر خطفاً، فإن اللقاء كان محطة محبة، جمعني بأصدقاء وأحبة، أعرف بعضهم، وأرى وأتعرف على بعضهم للمرة الأولى. لكني قرأت في عيونهم أصدق تعبير للاحتفاء بالكلمة المبدعة، ورأيت على وجوههم الباسمة معنى ودلالة الوصل الإنساني الأجمل. وصل ملموس ومباشر بين الكاتب وقرائه. وكم أثر بي ذاك اللقاء الطيب؟ وبعث في قلبي نشوة من الفرح، وزادني تصميماً على الكتابة. كتابة، قصصية وروائية، تتخذ من هموم ومعاناة وآمال وأحلام الإنسان المشروعة مجالاً لها، وتجعل من كويت الحاضر بيئة مكانية لأحداثها، وتؤمن بأن الفن والأدب، يقدمان للإنسان زاداً معرفياً ضرورياً، يجعله أقدر على فهم واقعه ومعايشته، مثلما يضعان بين يديه لحظات متعة راقية، أحوج ما يكون هو إليها. إن مشاركة الزميل فهد الهندال بورقة نقدية عن عوالم ولغة المجموعة، شكّلت إضافة مهمة للحفل، وقدمت مفاتيح أساسية للدخول إلى أجواء القصص، وأثارت مجموعة من الأسئلة، التي تخص النصوص، بقدر ما تخصني ككاتب، وتخص الكتابة كفعل إبداعي.
إن لقاءً مباشراً بين الكاتب والجمهور، يُعد بوصلة مهمة للكاتب، يعرف من خلالها أثر كتاباته لدى المتلقي، وهو مهم لجمهور القراء، ليحتك عن قرب بالكاتب، ويناقشه في آرائه وقناعاته. واللقاء في المحصلة، نشاط إبداعي ثقافي اجتماعي جميل، في عصر ثورة المعلومات والاتصال، وشبكات التواصل الاجتماعي. عصر فيه من العنف والحروب والدماء والدمار، بقدر ما فيه من إصرار الإنسان على انتزاع مكانته وحريته وكرامته. وهذا مجتمع، يجعل الإنسان يلجأ الى الأدب والفن، يستظل بهما بوصفهما معادلاً بشرياً فنياً خيراً، يدفع عن الإنسان، ولو بشكل روحي، شيئاً مما يقع عليه من ظلم وجور وعدوان، ويعده ويُؤمّله بغدٍ مشرق سيأتي وإن طال به الدرب. أسئلة كثيرة أثارها اللقاء، تطرق بعضها إلى تنقلي بين كتابة القصة القصيرة والرواية والكتابة الصحفية وانحيازي إلى المهمشين والمهزومين كنماذج بشرية، أصرّ على استنطاقها واللجوء إليها لرسم معالم أعمالي. إضافة إلى السؤال عن السبب وراء احتلال هموم ومواجع العمالة الوافدة العربية والأجنبية مساحة واسعة من أعمالي. وإذا كنتُ قد أجبتُ عن الأسئلة في حينه، فإنني أرى أن أبلغ إجابة للأديب تأتي من خلال أعماله الإبداعية. وإن كنتُ أؤمن بأن الواقع الفني ينهل من الواقع الحياتي المعيش، فإنني أدرك تماماً الفرق الشاسع بين حياة الواقع وحياة الفن. حياة الواقع الخاضعة لقوانينها الاجتماعية القاسية، وحياة الفن المعتمدة على أسسها الفنية، قبل أي شيء، والسائرة على طريق رسم حيواتها، بعيداً عن أي رقابة، تحدّ من تحليقها في سماء الحرية والكرامة والعدالة. إن اجتماعاً حول إطلاق مجموعة قصصية أو رواية لكاتب، هو اجتماع حول الأدب والفن، وحول حياة مخبأة بين جنبات تلك القصص والحكايا، وهذا يؤكد على اهتمام المجتمع بالكاتب والكتابة، ويعلي من دورهما، ويروي روح الكاتب باهتمام ومحبة ومتابعة قرائه الطيبين.