من الطبيعي أن تختلف الآراء في تفسير ما حدث ليلة الأربعاء الماضي، وأن تختلف المواقف تبعا لذلك، لكن من المخزي جدا أن تفصل المواقف السياسية بحسب طائفة أغلبية المحتجين أو أصولهم أو أن تطلق عليهم أوصاف عنصرية مثل "خمة وهيلق وغوغاء ... إلخ"، أو أن يخون الشباب الوطني المتحمس الذي عبر عن احتجاجه الرمزي على سوء الإدارة الحكومية، وعلى انتهاك الدستور وانتشار الفساد السياسي وذلك بنعتهم "بالدخلاء"!

Ad

يحق لأي منا أن يعارض طريقة الشباب في التعبير عن احتجاجهم أو يقول إن طريقتهم خاطئة أو غير قانونية أو غير مألوفة، لكن لا يمكن لأي أحد مهما كان أن يشكك في الانتماء الوطني لهؤلاء الشباب المتحمسين والمخلصين الذين كان دخولهم إلى المجلس استجابة لطلب النواب الذين كانوا معهم، بحسب ما أعلنوه لاحقا في تصريحاتهم الإعلامية، وذلك تفاديا لهجوم القوات الخاصة عليهم أثناء مسيرتهم الاحتجاجية السلمية وحفظا لإراقة الدماء خصوصا أن القوات الخاصة قد منعتهم، بالمخالفة للقانون، من التعبير عن آرائهم واستخدمت، كما هو واضح من مقاطع "اليو تيوب" ومن شهادات بعض الحاضرين، الكلاب البوليسية والمطاعات والرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع.

ثم ماذا فعل الشباب داخل المجلس؟ هل ما قاموا به هو اجتياح فعلا بغرض التخريب والتدمير فقط أم أنه احتجاج رمزي؟ لقد سمعناهم يطلقون النشيد الوطني، وشاهدناهم في الصحف وفي القنوات الفضائية يرفعون علم الكويت فوق رؤوسهم.

على أي حال فإنه يمكن رفض الحركة الاحتجاجية الرمزية التي قام بها الشباب المتحمسون والغاضبون تعبيرا عن سخطهم وعدم رضاهم عن الوضع السياسي أو انتقاد ما قاموا به بموضوعية، لكن يجب عدم تضخيم ما حصل والتركيز عليه باعتباره هو المشكلة الرئيسة وليس إحدى النتائج السلبية المترتبة على الوضع العام السيئ الذي وصلنا إليه.

بمعنى آخر فإنه يجب النظر لما حصل على أنه مؤشر خطير جدا يدل على حالة الاحتقان السياسي الذي وصلنا إليه وما يمكن أن يؤدي إليه الغضب الشعبي المتنامي على تراجع البلد وعدم الرضا عن الممارسات الحكومية المخلة بالدستور، والتي بلغت مرحلة متقدمة جدا، خاصة بعد التجاوز الحكومي الأخير على الأدوات الدستورية المتعلقة بالمساءلة العامة وبالدور الرئيسي لمجلس الأمة، ناهيكم عن عدم الرضا الشعبي المتفاقم عن الانتقائية في تطبيق القانون، وعدم ملاحقة الفاسدين والمفسدين، خصوصا بعد انكشاف فضائح الفساد السياسي بشكل صارخ، والتي اتهمت بها الحكومة وطالت، حتى الآن، ثلث أعضاء المجلس.

إنه من الصعب جدا، مثالا لا حصرا، إقناع شاب متعلم (أغلبية الكويتيين من الشباب المتعلم) بالالتزام بالقانون، إذا كان يرى بأم عينيه أن الدستور (أبو القوانين) يُنتهك جهارا نهارا من قبل الحكومة التي يفترض أن تكون هي أول من يطبقه!

قصارى القول أن أزمتنا هي أزمة سياسية بامتياز وليست أزمة أمنية، وكما هو معروف فإن الحلول الأمنية للقضايا السياسية دائما فاشلة، وقد تخلق مشاكل أخرى أكثر تعقيدا من المشكلة الأولى، لذا فالمطلوب هو معالجة سياسية شاملة وجذرية وسريعة للأزمة التي تتفاقم بشكل مزعج بدلا من إضاعة الوقت والجهد في أمور ثانوية مثل التركيز على مظاهر وأعراض المشكلة الأساسية بعد تضخيمها بشكل مبالغ فيه.

***

نافذة:

من أراد أن يقرأ الرواية غير الرسمية لما جرى ليلة الأربعاء الماضي والتي كتبها شهود عيان، فما عليه إلا زيارة مدونة "شقران" على هذا الرابط: http://shagranq8.blogspot.com/

ومدونة "حاكي عقالي" على هذا الرابط: http://enter-q8.blogspot.com/