حقيقة الكائن عند لارس فون ترير

نشر في 13-07-2011
آخر تحديث 13-07-2011 | 00:01
No Image Caption
 زاهر الغافري المخرج الدنماركي لارس فون ترير، مخرج إشكالي، ودائماً ما تثير أفلامه عندما تعرض، نقاشات صاخبة لا تهدأ. آخر هذه النقاشات ما حدث في مهرجان كان الأخير في مؤتمره الصحافي عندما أبدى تعاطفه مع هتلر واتهم بمعاداة السامية، فقررت اللجنة المنظمة للمهرجان استبعاده باعتباره شخصا غير مرغوب فيه مع الإبقاء على فيلمه الجديد «ميلانخوليا»، وقد نفى المخرج في ما بعد التهم الموجهة إليه، وقال إنه لم يكن جاداً وان أقواله كانت أقرب إلى الدعابة. إنه مخرج فيه من الجرأة بحيث لا يتوانى عن قول الحقائق بصورة واضحة، دون أن يتنازل، لا فنياً ولا مبدئياً. ففي واحد من أفلامه التي تم عرضها في أوروبا Dogville، وهو فيلم رأى فيه كثير من من النقاد انتقاداً صريحاً لأميركا، رغم أن الفيلم يتساءل على نحو عام حول حقيقة الكائن الإنساني أينما كان.

إن موضوعة الطيبة والقسوة والأنانية والهمجية تظهر هنا كثيمات يلعب عليها المخرج باقتدار كبير، وعلى نحو يكاد يكون تجريدياً، رغم أن الفيلم يصور بلدة صغيرة ومعزولة في الولايات المتحدة الأميركية.

ثم ان المخرج نفسه كما صرح للصحافة لم يذهب مطلقاً إلى الولايات المتحدة. لكنه قدم امثولة غاية في العمق على صعيد طرح الموضوعات الإشكالية مستخدماً هذه المرة طرائق السينما الصامتة والمسرحة. يكشف الفيلم من ضمن ما يكشف عن الخراب الإنساني والإحباطات البشرية المتتالية على نحو يكاد لا يترك أملاً لهذا الكوكب الذي نعيش فيه. وإذا كان بريشت في مسرحيته الإنسان الطيب، يترك النهاية على شكل سؤال مفتوح حول موضوعة الخير والشر في العالم، فإن المخرج الدنماركي في هذا الفيلم بالذات، يغلق على نحو تام أية إمكان للتفاؤل.

تبدأ حكاية الفيلم بمجيء، غريس، (تلعب دور البطولة نيكول كيدمان) على نحو غامض إلى بلدة بعيدة، ولأنها غريبة يساعدها كاتب أو مفكر من القرية موفراً لها الأمان، ينقلنا الفيلم إلى اكتشاف تدريجي للحياة اليومية في البلدة، وتقرر غريس المساهمة والانغماس في مساعدة الناس لكنها تكتشف، كما نكتشف نحن ظهور النوازع العدوانية عند أهل البلدة من الحسد والأنانية والاستغلال، لتصل ذروة الهمجية عندما يتم تعذيب الغريبة بشتى الطرق. ورغم أن علاقة الحب الأولية بينها وبين مثقف البلدة فإنه يذهب في ما بعد إلى انتقامه الشديد منها عندما يتصدر للوشاية بها، إلى أهالي البلدة. بعض هذه الموضوعات تطرق إليها لارس فون ترير، وان بكيفية مختلفة ومن زوايا نظر متعددة، في أفلامه السابقة. ففي فيلمه «عناصر الجريمة» الذي شاهدته في نيويورك والذي أخرجه قبل أكثر من عشرين عاماً، يتناول فيه أحداثاً غامضة عن جريمة قتل لنكتشف أن بطل الفيلم يلجأ في نهاية المطاف إلى مصر وفي عيادة طبيب نفسي مصري، حيث تبدأ الاعترافات وتأنيب الضمير، وفي فيلمه الآخر «تكسير الأمواج» الذي حاز إحدى جوائز مهرجان كان السينمائي، يقدم ترير أمثولة عن ضياع الحب في محيط قاس وغير إنساني على الإطلاق، كما قدم سلسلة تلفزيونية عن مستشفى المجانين في الدانمارك، بالإضافة إلى فيلمه (رقص في الظلام) الذي حاز جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان في عام 2000.

إن الموضوعات (الكبيرة) التي تطرق إليها لارس فون ترير منظوراً إليها في بعدها الزماني والمكاني، تنزع عنها الصفة الأخلاقية المطلقة. إنها تأكيد على الصيرورة الإنسانية ونفي لماهيات الميتافيزيقا في إطارها المثالي. إن حلم الإنسان على الأرض يدمره الإنسان نفسه.

back to top