رفض رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون إقامة الكونفدرالية الخليجية في الوقت الراهن برأيي كان موفقا وصريحا وشجاعا، والحجة التي ساقها بقوله: «ليس ممكناً اتحاد دولة مثل الكويت، تتمتع بقدر من حرية التعبير، مع دول أخرى لديها الآلاف من سجناء الرأي» مقنعة لكل متبصر للأوضاع السياسية داخل الدول الخليجية، والتي هي دون أدنى شك بحاجة إلى الكثير من الإصلاحات التي تجعلها مؤهلة لتكوين كونفدرالية نافعة وفي مصلحة الجميع، شعوبا وأنظمة!

Ad

والذين اعترضوا على موقف السعدون وتساءلوا عن علاقة أن تعج سجون بعض دول الخليج بالآلاف من سجناء الرأي بإقامة اتحاد كونفدرالي يعنى بالسياسة الخارجية والاقتصادية والمالية دون أن تتدخل أي دولة منها بالشؤون الداخلية للدولة الأخرى ضمن الاتحاد لم يكونوا موفقين بالمرة، ونظروا إلى الأمر- مع كامل الاحترام لهم- نظرة سطحية وساذجة لا ترى الأمر إلا من زاوية ضيقة ملؤها التفاؤل دون النظر إلى معطيات الواقع المعاش في هذه الدول، والمنطق يقول إن أي دولة دستورية تؤمن السلطة فيها بحرية الرأي والتعددية السياسية، وتحظى حكومتها برقابة شعبية مثلما هو حادث في الكويت لا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن تتحد كونفدراليا مع دول ليس لديها دستور، ومجالسها البرلمانية- إن وجدت- فإنها تعين من قبل السلطة ولا تعكس رأي الشعب، وليست سوى رجع الصدى لما تقوله السلطة إن خيرا كان أو شرا! والفارق هنا كبير بين سلطة تستمع لرأي الشعب وتعمل لأجله وتحمي مصالحه، وسلطة أخرى تمثل رأي الأسرة الحاكمة، وتسير أمور الدولة لمصلحتها دون النظر إلى مصلحة شعبها وآماله وطموحاته، وانعكاسا لذلك سيأتي التناقض بلا شك في المواقف السياسية داخليا وخارجيا بين هاتين السلطتين، فكل منهما تحسب حسبتها السياسية بشكل مختلف عن الأخرى، فالأولى تنظر إلى مصلحة الشعب أولا وتعكس اختياره، والأخرى تنظر إلى مصلحة الحكم دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى، ولذلك، من المستحيل أن يتفقا على سياسة خارجية واقتصادية واحدة دون أن يكون هناك تنازل من سلطة لحساب أخرى، وفي الحالة الخليجية سيكون التنازل من الدولة الدستورية الشعبية على الدوام لمصلحة الأنظمة المتفردة بحكمها بسبب أغلبيتها، ولذلك، ستكون الكويت الخاسر الأكبر والأوحد على جميع الصعد في هذه المنظومة الكونفدرالية! ومع إدراكنا لحجم المخاطر التي تحيط وتتهدد هذه الدول الصغيرة المتفرقة، وأن اتحادها سيكون فيه قوة ويجعل لكلمتها شأنا وقيمة إلا أننا نقول للمرة الألف وعن قناعة تامة أنه «تو الناس» و»لسه بدري» على هذه الكونفدرالية، لأننا في واقع الأمر لا نريد كونفدرالية أنظمة، بل كونفدرالية شعوب، ولن يحدث هذا قبل أن تفكر كل دولة بإصلاح وضعها الداخلي قبل التفكير بإصلاح حال من حولها، فالتكامل يكون بين المتقاربين لا بين المتناقضين، لنقترب أولا ولنتشابه... ثم لكل حادث حديث!

***

الطائفي، من أي ملة أو طائفة كان، هو كائن أعور لا يرى الحقيقة سوى بعين واحدة، لذلك، لا يمكن أن يؤخذ كلامه كشهادة يعتد بها لأنه يصف لك دائما نصف الحقيقة كما يحب وكما ترى عينه الواحدة، والذين تعاطفوا مع الشعب السوري وبكوا على ما حل به من قبل نظامه القمعي الدموي، وفي الوقت ذاته، وقفوا موقف المحرض والمطالب بقمع الشعب البحريني في ازدواجية غريبة، وكذلك الذين أيدوا النظام السوري ولم تؤثر بهم مناظر القتل البشعة للسوريين في الوقت الذي ذرفوا فيه الدمع مدرارا على دماء البحرينيين، الاثنان حالهم من حال بعض، كائنات تحركها الطائفية العوراء التي تبني مواقفها على دين أو مذهب الإنسان لا على كونه مظلوما أو مستحقا للتعاطف والنصرة، فكلا الشعبين- السوري والبحريني- مطالبهم واحدة في الحرية والعدالة والديمقراطية، ولا يملك إنسان يحمل في قلبه ذرة من الإنسانية سوى أن يقف معهما، يدعو لشهدائهما بالرحمة، ويتمنى لهما الحياة الكريمة العادلة كما يتمنى لنفسه وشعبه، فهل يستوعب ضمير الطائفي ذلك؟! لا أظن... لأنه غير موجود أصلا!