اليوم هو يوم الانتخابات، يوم العرس الديمقراطي، كما يحلو لإعلامنا أن يسميه، وهو الذي بات يتكرر كثيرا منذ سنوات، والحقيقة أني صرت أتساءل بيني وبين نفسي أخيرا، إن كانوا يسخرون منا بهذه التسمية، عن قصد أو غير قصد، عن أي ديمقراطية يتحدثون؟ إنها خدعة كبرى، ومهزلة مبكية، هذه التي نعيشها، ونصر على تسميتها بالديمقراطية، ويحتفل إعلامنا بتسمية انتخاباتها، وكأنه يهزأ منا ويسخر، بالعرس الديمقراطي!
ليس هذا الكلام تشاؤما أو سوداوية، بل هو توصيف محايد ومجرد لواقع الحال، فانتخابات مختطفة للإفرازات الطائفية والفئوية والقبلية، ولجرائم شراء الأصوات، وملوثة بندوات لمرشحين يضربون مكونات النسيج المجتمعي، ويسبون ويشتمون، تحت نظر السلطة التي تنازلت عن دورها في ضبط أمن هذا المجتمع، وتركت الحبل على الغارب للفساد والفوضى كي يستشريا ويدمرا المجتمع، ليست عرسا ديمقراطيا، بل مأتما يجب أن نعزي به بلادنا في مصابها الجلل.لكننا والحال هذه، يجب ألا نركن إلى ذلك فنخذل الكويت، حتى إن كان النظام المكلف بمهمة حماية أمنها ونسيجها قد تخاذل عن دوره فخذلها، فنحن لا نزال نملك أصواتنا الحرة، ولا نزال نملك «الإرادة» لأن نصوت للأفضل، وأن نقول «لا» عالية وواضحة وصريحة للفاسدين جميعا، في كل المواقع، في السلطة نفسها، وفي الإعلام ومن المرشحين، وكذلك من الناخبين الذين باعوا أصواتهم أو خدروا ضمائرهم أو أطفؤوا عقولهم، وكل هؤلاء سواء، فالفساد بعضه من بعض مهما تفاوتت درجاته، وكله ينخر شجرة الوطن في النهاية.قال لي أحدهم من يومين وهو يحدثني، على خلفية أحداث العديلية بعدما قام المرشح «جويهل» بالتطاول وشتم قبيلتي مطير في ندوة له، مما أدى إلى قيام مجموعة غاضبة بحرق مقره الانتخابي، إن من الواجب أن يكون للعاقلين كلمة ومقالة لتهدئة الغاضبين وترشيد الناس للاحتكام للقانون، وهو كلام جميل، فأنا ممن يرفضون بالطبع الخروج على القانون وتصفية الحسابات باليد فهذا قصم لظهر الدولة، ولكن هؤلاء الناس سيسألوننا في المقابل: وأين هو القانون؟ وأين عدالته؟ ولماذا نرى عجلته وهي تتباطأ في اتجاه معين إلى حد الشلل، وتتسارع في اتجاه آخر بالسرعة القصوى؟ وأين هو تطبيقه على من دأبوا على ضرب الوحدة الوطنية طوال الفترة الماضية، من مرشحين وإعلاميين وقنوات وصحف؟ وأين وأين وأين؟ بل هل عاد هناك قانون يطبق حقا، أم أن الأمر مجرد خدعة أخرى؟!هذه الأسئلة قد صارت اليوم مستحقة جدا، ومن يتجاهلها أو يتكبر عليها، لا يخدع إلا نفسه. نعم يا سادتي، هل بات عندنا اليوم قانون عادل حقا؟ وهل النظام راغب وقادر على حماية القانون، وإقامة مسطرته على الجميع، شريفهم قبل ضعيفهم؟ أم أن ما لدينا اليوم هو أوهام قانون، مثلما أن ما لدينا هو خديعة اسمها ديمقراطية؟!من السهل اليوم أن يقال عمن قاموا بالحرق والاقتحام بأنهم «همج ولفو وهيلق وجهلة وخارجين على الحضارة»، وبذلك سيريح المرء عقله بهذا التصنيف، لكنه لن يصل إلى شيء في النهاية وستظل المشكلة مشتعلة، فهؤلاء الهمج، ما كانوا سيختفون هكذا، ولا يمكن القضاء عليهم أو إلقاؤهم في البحر بضغطة زر، ولا حتى بضربة عصا، مهما تمنى البعض ذلك.السؤال الواجب طرحه، لماذا انفجر هؤلاء اليوم بهذه الطريقة المخيفة؟ وما الأسباب التي أوصلتهم إلى هذا الحد المتطرف جدا في التعبير عن رفضهم؟ وحين يجاب عن هذه الأسئلة وتوضع اليد على الأسباب فتعالج حقا، فإن كل الأعراض التي نتجت عنها بعد ذلك ستختفي.وأعود هنا لأقول إن كل الأمور تبدأ من اعتلال النظام وتعود إليه، وإن كانت هناك ملامة توجه إلى ما يسمى بالنواب المؤزمين كما يحلو للبعض أن يسميهم ولا يلتفت لأي مشكلة غيرهم في هذا البلد، مهما كبرت، وإن كانت هناك أيضا أي ملامة توجه إلى أبناء القبائل، وبالأخص قبيلة مطير، لثورتهم العارمة هذه ولعدم التزامهم بالقانون، فإن الملامة الكبرى يجب أن توجه قبل هؤلاء جميعا إلى هذا النظام غير الصادق في إيمانه بالديمقراطية حقا، وغير الملتزم بتطبيق القانون على الجميع بمسطرة عادلة، وغير القائم بدوره في حماية أمن المجتمع بفئاته المختلفة.وهذه الانتخابات ستنتهي اليوم بطبيعة الحال، وسيخرج منها من سيخرج، الصالح من المرشحين والطالح، لكن سيبقى شكل المرحلة القادمة، ومسار قاطرتها بيد هذا النظام أولا وقبل الجميع، فإن ظل بلا حزم وبغير جدية ودون قرار شجاع، فلن تقاد الأمور إلا إلى الأسوأ.
مقالات
وأين هي دولة القانون؟
02-02-2012