دراما الديمقراطية في مسرح الإرهاب

نشر في 16-08-2011
آخر تحديث 16-08-2011 | 22:01
 بروجيكت سنديكيت اشتهر الرئيس جورج بوش الابن بالترويج للديمقراطية، إذ اعتبرها جزءاً مهماً من السياسة الخارجية الأميركية، ولم يكن الرئيس بوش الابن هو الرئيس الوحيد الذي قام بذلك، فمعظم الرؤساء الأميركيين منذ وودرو ويلسون قاموا بعمل ذلك.

وعليه فلقد كان من الغريب الابتعاد عن هذه السياسة أثناء تقديم وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون لشهادتها أمام الكونغرس في وقت سابق من هذا العام عن العناصر الثلاثة للسياسة الخارجية الأميركية، وهي الدفاع والدبلوماسية والتنمية، فقد ظهر غياب الديمقراطية عن تلك العناصر، بما أن هناك تغيراً جوهرياً في السياسة من قبل إدارة الرئيس باراك أوباما.

كان بيل كلينتون وجورج بوش الابن عادة ما يشيران إلى فوائد الديمقراطية للأمن، وكانا يستشهدان بأبحاث علم الاجتماع التي تظهر أنه من النادر أن تحارب الديمقراطيات بعضها بعضا، لكن ما ذكره الباحثون بعناية ودقة هو أنه من المستحيل تقريبا أن تحارب الديمقراطيات الليبرالية بعضها بعضا، ويعني الأمر أن تأصيل الثقافة الدستورية الليبرالية يكون أهم وأنجع من مجرد إجراء انتخابات تنافسية.

وعلى الرغم من أن الانتخابات الحرة والنزيهة مهمة، فإن الديمقراطية الليبرالية هي أكبر من ديمقراطية الانتخابات. الانتخابات بغياب القيود الدستورية والثقافية يمكن أن تؤدي إلى العنف كما هي الحال في البوسنة أو السلطة الفلسطينية، كما أن الديمقراطيات غير الليبرالية وحتى وقت قريب قد تحارب بعضها مع بعض كما فعلت الإكوادور وبيرو في التسعينيات.

لقد اعتقد الكثير من النقاد في أميركا وخارجها أن تجاوزات إدارة بوش قد أساءت إلى فكرة الترويج للديمقراطية. إن قيام بوش باستخدام الديمقراطية لتبرير غزو العراق أوحى بإمكان فرض الديمقراطية بقوة السلاح، وأصبحت الديمقراطية مرتبطة بالمنهجية الأميركية على وجه التحديد، وأصبح لها دلالة إمبريالية.

بالإضافة إلى ذلك فإن كلام بوش المبالغ به كان يتناقض عادة مع ممارساته مما أدى إلى اتهامه بالنفاق، فلقد وجد بوش أن من السهولة عليه انتقاد زيمبابوي وكوبا وبورما مقارنة بالسعودية وباكستان، كما أنه قام وبشكل سريع بالتخفيف من سياسته الأولى بتأنيب مصر.

لكن هناك خطر المبالغة في ردة الفعل على الفشل في سياسات إدارة بوش، فالديمقراطية ليست مفهوما تفرضه أميركا ويمكن أن يتخذ العديد من الأشكال. إن الرغبة في المزيد من المشاركة تزداد بينما تنمو الاقتصادات ويتكيف الناس مع التحديث.

فالديمقراطية ليست في حالة تراجع أيضاً، فقد كان هناك 86 بلدا حرا في بداية سنوات بوش بيد أن هذا العدد زاد، حسب منظمة "فريدوم هاوس" وهي منظمة غير حكومية، بشكل بسيط إلى 89 في نهاية فترة حكمه. إن الديمقراطية لا تزال هدفاً عادلاً وواسع الانتشار، ويجب أن نفرق بينها وبين الوسائل المستخدمة للحصول عليها، وإن هناك فرقاً بين الترويج للديمقراطية على نحو متشدد والدعم الناعم. إن تجنب الإكراه والانتخابات السابقة لأوانها والخطاب الذين ينطوي على النفاق لا يعني عدم وجود سياسة صبورة للمساعدة الاقتصادية والدبلوماسية الهادئة، والجهود المتعددة الأطراف لدعم تطوير المجتمع المدني وحكم القانون، ودعم الانتخابات التي تتم إدارتها بشكل صحيح.

من المهم أيضا لدى دعمنا للديمقراطية في الخارج أن تتطابق أدوات السياسة الخارجية المستخدمة مع مثيلاتها المستخدمة في ممارسة الديمقراطية في الداخل الأميركي. فعندما نحاول أن نفرض الديمقراطية فرضاً، فنحن نسيء في واقع الأمر إليها، وعندما نطبق أفضل تقاليدنا في هذا المجال فسوف نستطيع أن نلهم الآخرين تقليدنا، ونولد قوة الجاذبية الناعمة، هذه المقاربة كان يطلق عليها رونالد ريغان اسم "المدينة البراقة على أعلى التلة".

على سبيل المثال، لقد أصبح الكثير من الناس داخل أميركا وخارجها أكثر سخرية وتشاؤماً فيما يتعلق بالنظام السياسي الأميركي، حيث جادلوا بأن ذلك النظام يهمين عليه المال، وهو مغلق في وجه من هم خارج ذلك النظام. إن انتخاب باراك حسين أوباما في سنة 2008 كان له دور كبير في استعادة القوة الناعمة للديمقراطية الأميركية.

ومن الجوانب الأخرى لممارسة الديمقراطية الليبرالية محلياً داخل الولايات المتحدة التي يثار بشأنها جدل واسع الآن هو كيفية التعامل مع الإرهاب، ففي أجواء الخوف الشديد التي نشأت بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، فإن تفسيرات القانون الدولي والمحلي المحرفة لإدارة بوش أساءت إلى سمعة الديمقراطية الأميركية وأضعفت من قوتها الناعمة. لحسن الحظ، فإن الصحافة الحرة والقضاء المستقل والمجلس التشريعي المشاكس ساعدت في جعل تلك الممارسات موضوع نقاش عام. لقد أعلن أوباما أنه سيقوم بإغلاق سجن غوانتنامو خلال سنة، كما قام بإزالة السرية عن المذكرات القانونية التي استُخدمت لتبرير ما ينظر إليه الآن على نطاق واسع على أنه تعذيب للمعتقلين.

لكن مشكلة كيفية التعامل مع الإرهاب هي ليست مسألة تخص الماضي فقط. إن التهديد مازال موجود- ومن الأهمية بمكان أن نتذكر أن الناس في الديمقراطيات يريدون الليبرالية والأمن معاً.

في لحظات الخوف الشديد فإن التوجه عادة ما يركز على الجانب الأمني، فإبراهام لنكولن قام بتعليق حق المثول أمام القضاء خلال الحرب الأهلية، كما قام فرانكلين روزفلت باعتقال المواطنين الأميركيين من أصول يابانية خلال الأيام الأولى من الحرب العالمية الثانية. عندما يُسأل هذه الأيام بعض أعضاء إدارة بوش الأكثر عقلانية عن كيفية قيامهم بتبني تلك المواقف في سنة 2002، فهم يشيرون إلى هجمات "الإنثراكس" (الجمرة الخبيثة) التي جاءت بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر والتقارير الاستخباراتية عن هجوم وشيك بمواد نووية، والخوف العام على نطاق واسع من هجوم ثان، وفي مثل هذه الظروف يصبح هناك تناقض بين الديمقراطية والأمن. الإرهاب هو أحد أشكال اللاعبين على المسرح، فهو لا يعمل على أساس التدمير، بل على أساس تهويل الأعمال البشعة ضد المدنيين. إن هذا يشبه "جيو جيتسو" وهي من ألعاب الدفاع عن النفس حيث بوسع الخصم الأضعف أن يفوز عن طريق استخدام قوة الطرف الأقوى ضد نفسه.

يأمل الإرهابيون خلق أجواء من الخوف وانعدام الأمن من أجل استفزاز الديمقراطيات الليبرالية لإيذاء نفسها وذلك بالتضحية بقيمها. إن منع الهجمات الإرهابية الجديدة مع فهم أخطاء الماضي وتجنبها سيكون ضروريا لو أردنا أن نحافظ على الديمقراطية الليبرالية في أميركا وخارجها وأن ندعمها، وإن هذا هو الجدل الذي تقوده إدارة أوباما اليوم في الولايات المتحدة الأميركية اليوم.

* جوزيف س. ناي | Joseph Samuel Nye ، أستاذ في جامعة هارفارد، ومؤلف كتاب "هل انتهى القرن الأميركي؟"، ومؤخرا تولى الرئاسة المشتركة لمناقشات مجموعة أسبن الاستراتيجية لتنظيم الدولة الإسلامية والتطرف في الشرق الأوسط.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top