أستطيع أن ألمس حالة التشاؤم والإحباط في وجوه المحيطين بي بسبب التوقعات المنتشرة لمخرجات الانتخابات الجارية، وذلك لأن استطلاعات الرأي، بصرف النظر عن عشوائيتها ولا علميتها، مستمرة بالتأكيد على وصول أسماء قديمة وجديدة "مخيفة". وعلى الرغم من أن الحديث متركز طوال الوقت على مخرجات الدائرة الثالثة وأنها ستحمل في طياتها أسماء "كارثية" أكثر من كل مرة، وهي الدائرة التي لطالما كانت، وهذه مفارقة، تسمى بدائرة المثقفين، فإن استطلاعات كل الدوائر تشير إلى أن "الكوارث" النيابية لن تستثني أي دائرة!

Ad

أنا شخصيا أجزم بأن "الكوارث" قادمة حتما، ولست بحاجة لهذه الاستطلاعات غير العلمية التي تنشر يوميا في كل مكان، وذلك لأن الحياة علمتني أن الأمور ببوادرها وبداياتها، وطالما أن البوادر والبدايات كلها تشير إلى أن كل أسباب رداءة مخرجات الانتخابات في السابق لا تزال موجودة، بل لعلها تزايدت بسبب الشحن الطائفي والقبلي والفئوي الذي يجب ألا نتعامى عنه، فبالتالي ستكون المخرجات الطائفية القبلية الفئوية الشرسة قادمة حتما، ودون أدنى شك!

أعتقد، والاعتقاد هو الجزم كما يقال، وإن كنت لا أتصور أن هذا يخفى على أحد، بأن ما حققه الحراك الشعبي بشقه الشبابي بالأخص، من "انتصارات" تمثلت في المقام الأول بإسقاط حكومة الشيخ ناصر المحمد ورحيله، هو الذي خلق لدى الشارع "ظنا" خاطئا بأن المشكلة الكبرى قد انتهت، وأن حل المجلس، وهي المطالبة التي كان يلح عليها نواب المعارضة أيضا، سيؤدي إلى أن يتخلص الناخبون بدورهم من النواب السيئين، في نظر المعارضة، وسيأتون بمجلس أقوى وأنظف، والذي تبين للجميع "الواعي" اليوم بأنه ظن خاطئ على طول الخط.

يستطيع المراقب المنصف، وبلا جهد يذكر، أن يرى أن هناك صورة مغايرة تماما لهذه الصورة موضوعة أيضا على الطاولة، وهي أن قطاعا عريضا من الناخبين يرون في نواب المعارضة، وهم الأبطال في نظر قطاع آخر، كتلة من نواب التأزيم، ويرون أن الوسيلة الأنجع للتصدي لهم، تتمثل بإعادة النواب الذين كانوا لا يقفون معهم، بل انتخاب أسماء جديدة، حتى إن كانت من السوء بمكان، فإنها هي الأقدر، في اعتقادهم، على التصدي لهؤلاء المؤزمين، وهو ما سيجري في قناعتي. وعليه فإن النتيجة هي أن المجلس القادم سيحوي في داخله استقطابا حادا ومتفجرا، وسيكون لذلك غارقا طوال وقته في صراعاته الداخلية، وعلامات هذا الأمر واضحة منذ الساعة من خلال ندوات أغلب النواب السابقين والمرشحين الأبرز، والذين نراهم وقد انشغلوا طوال الوقت بانتقاد النواب الآخرين، ونادرا ما رأيناهم يقدمون رؤية عملية لكيف يجب أن يكون عليه العمل والإنجاز في الفترة السياسية القادمة.

لكن، وعلى الرغم من توقعي بأن هذا ما سيجري، فسأظل أنظر بإيجابية إلى ذات المرحلة القادمة، والسر هو أني أومن بأنه نفق مظلم ومنحدر صعب لابد من مرورنا سياسيا به قبل أن نفيق فنسعى للخروج إلى النور ومرحلة الإصلاح الحقيقي، أومن بهذا لأني ألمس يوميا، من خلال التصريحات والكتابات واللقاءات والحوارات لمختلف الأطراف، بأنه لا يوجد إدراك عميق لا من قبل النظام ولا من قبل أغلب النواب ولا مجمل النخب ولا عموم الناس، بأن واقعنا السياسي لا يمكن إصلاحه دون تغييرات جذرية جريئة لحركة ديمقراطيتنا، وبالتالي فلا شك أننا بحاجة إلى ألم سياسي أكبر وأزمة أكثر اختناقا، حتى يفيق الجميع من هذا الترف الفكري المسكر، فيدركون الحقيقة.

هذا الكلام كررته مرارا وتكرارا على مدى مقالات عديدة في هذه الزاوية ومواقع أخرى، وأعيد تكراره اليوم لله أولا وللتاريخ ثانيا... نحن مقبلون على المرحلة الأصعب، فتشبثوا!